274

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

تصانيف

panique ، ثم إنها تقرر تأثير الليل في نفوس الجنود؛ إن ظلمة الليل تضاعف الخوف، وتحفز إلى الفرار، كما أن هذه الظلمة تكون في نظر الجنود سترا من عار الفرار، وتسهل عليهم الإقدام على الفرار. يظهر من ذلك كله أن ابن خلدون قد انتبه إلى تأثير العدوى المعشرية، وعمل الرأي العام في مقاومة الجنود أو انهزامهم. (10)

يعلمنا ابن خلدون بعد ذلك أن طريقة حفر الخنادق أيضا أهملت في زمانه، ويعزو أسباب هذا الإهمال إلى صغر الدول؛ وذلك لأن أمثال هذه الأعمال العسكرية مما لا يمكن إنجازها إلا بكثرة الأيدي العاملة والمحاربة: «وكانت للدول في أمثال هذا قوة، وعليه اقتدار باحتشاد الرجال وجمع الأيدي عليه في كل منزل من منازلهم، بما كانوا عليه من وفور العمران وضخامة الملك، فلما خرب العمران، وتبعه ضعف الدولة وقلة الجنود وعدم الفعلة، نسي هذا الشأن جملة كأنه لم يكن» (ص275).

ثم يذكر ابن خلدون «وصية علي - رضي الله عنه - وتحريضه لأصحابه يوم صفين»؛ لأنه يجد فيها الشيء الكثير «من علم الحرب»، ويقول: «لم يكن أحد أبصر بها منه» (ص275).

كما أنه يذكر ما قاله الأشتر يومئذ تحريضا للأزد، ثم ينقل قسما من القصيدة التي كتبها «أبو بكر الصيرفي، شاعر لمتونة وأهل الأندلس»، يمدح بها تاشفين بن علي بن يوسف، و«يصف ثباته في حرب شهدها»؛ لأن القصيدة المذكورة تتضمن «من الوصايا والتحذيرات ما يساعد على معرفة الشيء الكثير من أمور الحرب، وسياسة الحرب» (ص275).

ينقل ابن خلدون من هذه القصيدة واحدا وعشرين بيتا، ويقول الصيرفي في مطلع القصيدة:

يا أيها الملأ الذي يتقنع

من منكم الملك الهمام الأروع

ومن الذي غدر العدو به دجى

فانفض كل وهو لا يتزعزع

ويبدأ قسمها المتعلق بسياسة الحرب بما يلي:

صفحة غير معروفة