وكان عبد الرحمن بدوي قد فعل نفس الشيء وأعلن أن القسم بحاجة إلى مدرس في قسم الفلسفة بآداب عين شمس. فتقدم إليها اثنان، أنا وعزمي إسلام، ففضلني. وفي اليوم الأول شعرت أنني غريب في هذه الدار. فليس لي ذكريات فيها؛ فذهبت إلى بدوي قائلا: «إن الحوائط هنا لا تكلمني.» فاستعجب، وقال «وهل الحوائط تتكلم؟» قلت له: «نعم، لا أشعر بتعاطف مع المكان.» فاتهمني بأنني صبي صغير «عيل». وأخذ عزمي إسلام المتقدم الثاني للوظيفة. فضلت بعدها الانتظار عاما لأعين مدرسا في قسم الفلسفة بآداب القاهرة حيث نشأت وتعلمت واضطهدت وحوكمت. فأعطاني ناشر الإسكندرية مائة جنيه دون أن أطلب ودون أن أذهب إليه مقابل نشر كتابي.
أما «دار الثقافة الجديدة» التي نشرت لي بالقاهرة «تعالي الأنا موجود»، و«تربية الجنس البشري» فلم آخذ أي مكافآت منها لأنها كانت دارا تقدمية أي ماركسية ومرتبطة بحزب التجمع التقدمي الوحدوي والذي كنت عضوا فيه.
أما «الهيئة العامة للكتاب» فقد أعطتني أربعمائة جنيه نظير ترجمتي كتاب اسبينوزا «رسالة في اللاهوت والسياسة» والتي كانت مهرا لزواجي.
وبعد ذلك تعبت كثيرا مع الناشرين. فقد طبعت لي «دار الفكر العربي» «قضايا معاصرة» جزأين. ولم آخذ أي حقوق. اكتفيت بسعادتي لنشر أول كتاب فلسفي من تأليفي وليس فقط من ترجمتي.
وبعد ذلك نشرت الأجزاء الأولى من كتابي «من النقل إلى الإبداع» في «مكتبة غريب». وأعطاني حقي في الكتاب، وكان لا يتعدى أيضا مئات قليلة من الجنيهات . وقبل أن يتوفى الأب المؤسس للمكتبة ويختلف الأبناء على الميراث، انقسموا إلى عدة دور نشر مستقلين أو بالتعاون مع السعودية. وانتهت علاقتي بهم، فقد بدأ جيل جديد من الناشرين التجار يظهر، ويتعامل مع الكتاب على أنه بضاعة وليس رسالة.
ونشرت لي «مكتبة الأنجلو المصرية» «دراسات فلسفية»، و«دراسات إسلامية»، و«هموم الفكر والوطن». وكانت سعادتي أيضا بنشر المؤلفات عن طريق مكتبة لها شهرتها في مصر وفي الخارج. ونشرت رسالتي بالفرنسية من «تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل»، جزءان «عن الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية». فسعدت برؤية رسالتي الفرنسية، وترجمتها العربية في الأسواق، واعتبرتها تأسيسا «للظاهريات العربية». ولم أطلب من صاحب المكتبة الأب أي حقوق، وعندما اتصلت بأحفاده كي أنشر عندهم أحد كتبي امتنعوا، بحجة أن الكتاب الآن في مصر يخسر، وهم لا يريدون المجازفة.
وطبع لي «مدبولي الأب» «من العقيدة إلى الثورة» (خمسة أجزاء) و«الدين والثورة في مصر 1952-1981» في ثمانية أجزاء. وكنت أشتري له الورق الأصفر الرخيص من ميدان العتبة لطبع الكتابين. ولا أذكر إذا كان رد لي ثمن الورق أم لا؟ فكانت تكفيني سعادتي بطباعة كتبي ونشرها. وأعطيت له كتابي «مقدمة في علم الاستغراب»، فقال لي: أعطيك ثلاثة آلاف جنيه بشرط ألا تسأل على الكتاب بعد ذلك؛ سعرا أو طباعة أولى أو ثانية. وطلب أن أنسى الكتاب. فرحت بالعرض، ولكني حزنت من الشروط؛ فذهبت إلى المطبعة التي أرسل إليها الكتاب. وردوا بأنهم مستعدون لطباعته لي، فطبعته. ولم آخذ أي حقوق منهم. وكان العرض الأول أفضل من العرض الثاني.
وطبعت كتب «نظرية الدوائر الثلاث»، و«الواقع العربي المعاصر» في «دار نشر عين». دفعت ثمن الورق وحده أربعة آلاف جنيه. وردت لي بعد ذلك ولم آخذ حقوقا من الكتابين.
ثم تدهور عالم النشر، فطلبت مني دار عين للنشر عندما قدمت لها أحد كتبي من عدة أجزاء، وقامت بحساب ثمن الورق والطباعة، طلبت دار النشر ستين ألف جنيه على أن ترد إلي من ثمن المبيعات، فرفضت.
وعرضت الكتاب على «دار سينا للنشر»، فكان الطلب مماثلا أن أدفع ثمن تكاليف الكتاب، فرفضت أيضا. ولما تعبت من الناشرين وبأنني سوف أدفع ثمن الورق، ولا أدري إن كنت سأسترد الثمن أم لا، قررت أن أطبع كتبي على نفقتي الخاصة مثل: «الثورة المصرية في أعوامها الخمسة الأولى 2011-2015»، و«الثورة المصرية في أعوامها السادس والسابع والثامن»، و«أمريكا الأسطورة والحقيقة»، و«ذكريات» الجزء الأول، و«التفسير الموضوعي للقرآن الكريم»، و«من النقل إلى العقل» الجزء الرابع، عن السيرة، والجزء الخامس في علم الفقه. وبعد أن طبعت «الهيئة العامة للكتاب» الأجزاء الثلاثة الأولى من علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم التفسير توقفت لذكر اسم سيد قطب في أحد الهوامش.
صفحة غير معروفة