وعندما زرت وارسو، أقام رئيس جمهورية بولندا حفل عشاء للوفد الذي كنت عضوا فيه لمشاركة الحوار الديني كموضوع للندوة، وألقى الرئيس البولندي خطاب ترحيب باللغة الإنجليزية. وطلب مني أن أرد عليه بخطاب شكر، فقمت واقفا وألقيت خطاب الشكر، وبإعجابي بأهل السياسة عندما يصبحون من أهل الثقافة طبقا لمبدأ «الفيلسوف الملك» أو «الملك الفيلسوف» عند أفلاطون في الفلسفة اليونانية، والفارابي في الفلسفة الإسلامية.
وأحيانا أجد بعض تلاميذي وقد أصبحوا يعملون كملحقين ثقافيين في السفارات المصرية بالخارج، فيخاطبون سفراء بلادهم ويعلمونهم بوجودي في بلادهم؛ فيدعونني لإلقاء محاضرة بالقاعة الكبرى لسفاراتهم. حدث ذلك في فنلندا وكندا وأستراليا؛ فأجد التقدير خارج وطني ولا أجده في وطني لأن «زمار الحي لا يطرب».
وفى العالم الإسلامي زرت جامعات إسطنبول وأنقرة، وطهران وقم، وكوالالمبور في ماليزيا، وجاكارتا في إندونيسيا، وفي أواسط آسيا زرت طشقند في أوزبكستان، وباكو في طاجكستان، وسمرقند، وغيرها من الجامعات في أواسط آسيا، وفي الهند زرت جامعات بومباي ونيودلهي وحيدر آباد.
وزرت إندونيسيا عدة مرات، آخرها عندما كان عبد الرحمن وحيد رئيس جمعية نهضة العلماء رئيسا للجمهورية. فدعاني إلى القصر مع رجالات الدولة، وألقى محاضرة عن أفكاري واتجاهي الإصلاحي، فكان الرجال ينظرون إلى ويبتسمون تقديرا لدوري وامتنانا لما قاله رئيسهم في حقي، وقد كان طالبا عندي في مصر، يستمع ويدرس محاضراتي قبل انتقاله إلى بغداد.
وفى كوالالمبور تعرفت على جماعة «آليران» وهي أشبه باليسار الإسلامي والذي أسسته في مصر. كما تعرفت هناك على «قاسم أحمد» المفكر الإصلاحي والذي كتب «العودة إلى القرآن». كما تعرفت على «سيد حسين علي» المفكر الماركسي الماليزي الذي أراد أن يطور الحركة الإسلامية من الإصلاح إلى الثورة، وكما حاولت أنا في مصر. كما تعرفت على «أنور إبراهيم» الزعيم الطلابي وزميل «محمد محاضر» الذي أصبح رئيس وزراء ماليزيا ووضع برنامج «عشرين عشرين» للتنمية الماليزية.
وفى زيارتي لتركيا تعرفت على جماعة «ريح الشرق» التي كانت ترى رسالة تركيا تمتد شرقا في آسيا بعد رفض الاتحاد الأوروبي عضويتها فشعرت تركيا بالإهانة، وقد كانت إمبراطورية قديما تسيطر على شرق أوروبا، ووصلت حتى أبواب فيينا. وكان من أعضاء هذه الجماعة الحكومة الحالية برئاسة «أردوغان» و«داود أوغلو» الذي كان وزيرا للخارجية. ولما قدموا إلى مصر لمقابلة الرئيس وضعوا اسمي مع من سيلتقي الوفد بهم، وحضور العشاء الذي سيقام على شرفهم، وكان وزير الخارجية قد زارني سابقا في مصر للتعرف على أفكاري الإصلاحية، وكان يعرفني جيدا فطلب أن يجلس بجواري على مائدة العشاء، وعندما جاء الرئيس وبطانته من حوله أخذوني إلى مائدة أخرى صغيرة بصحبة الموظفين الصغار في السفارة التركية؛ فغضب «داود أوغلو» وترك مائدة الشرف وجاء بجواري على المائدة الصغيرة، وأدركت بعد مثل هذه الحوادث بأنه لا كرامة لنبي في وطنه، وأن الخارج يحترمني ويعرفني ويقدرني أكثر من أبناء وطني؛ فحزنت لذلك. وقد كان باستطاعتي بسهولة أن أكون هنا من بطانة السلطان ذوي النفوذ ولكني لا أفعل ذلك؛ فأنا لست من علماء بلاط السلطان ولا من بطانته.
وفي زيارتي السريعة لطهران وكان ذلك بعد الثورة الإسلامية قابلت الخميني في منزله في «قم». وجلست معه على الأرض مربعا ساقي. كنت أتكلم عن الإسلام والثورة، وكان هو ينصت، ولا يتكلم. طلبت أن أنشر كتاب «الحكومة الإسلامية» في مصر فأعطاني الكتاب مترجما إلى اللغة العربية وكذلك كتاب «جهاد النفس، أو الجهاد الأكبر». سألته عن حقوق النشر، قال: «لا حقوق، انشر الكتاب على أوسع نطاق ويكفيني هذا حقا لي.» وتعرفت في «قم» على الإمام «تسخيري» الذي أنشأ مجلة «تقريب» للحوار والتقارب بين السنة والشيعة. وقابلت الإمام أحمد بن الخميني، والإمام طالقاني، والإمام طباطبائي، والإمام جلبيجائي. وحضرت بعض ندوات الحوزات العلمية، وتعرفت على «عبد الجبار الرفاعي» الفيلسوف العراقي الهارب من حكم صدام والذي بدأ في نشر مجلة «قضايا إسلامية معاصرة» وأعطيته حديثا بعنوان «قم تسأل والقاهرة تجيب» مما أغضب علماء الشيعة عندهم. فكيف من يسأل هي «قم» والقاهرة هي التي تجيب؟ فهم يرون «قم» مدينة العلم ولديها المعرفة، فالأصح هو «القاهرة تسأل وقم تجيب». فالقاهرة لديها السؤال، وقم لديها الإجابة. وزرت مدينتي «مشهد» و«تبريز»، ورأيت الآثار الإسلامية.
وفي سنغافورة تعرفت على زين العابدين رئيس الجامعة الإسلامية في سنغافورة بوجهه الصبوح وعقله المستنير، فحسدته على شخصه وصفاته وقيادته للمسلمين في الجزيرة.
أما في الوطن العربي فقد أعطيت فصولا دراسية كاملة في جامعة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى معظم الجامعات العربية لفترات قصيرة في المملكة العربية السعودية، وتطوان والرباط والدار البيضاء بالمغرب، ونواكشوط في موريتانيا، والجزائر، وتونس، وصفاقس بتونس، وليبيا، واليمن، وعمان، والكويت، وقطر، والبحرين، وبغداد ، وعمان، ودمشق، وبيروت. وكان أكثر الطلاب وعيا بالثقافة العربية الطالب المغربي.
وفى ليبيا جلست مع القذافي في خيمته عدة مرات عندما كان يستضيف المؤتمرات القومية وأعضاءها من المثقفين العرب، ولم أكن أحب الكلام والمشاركة في هذه الجلسات؛ لأنه كان يستعلي ويستكبر على المثقفين معتبرا نفسه نبيا لهذا العصر.
صفحة غير معروفة