أنتما لا تعرفان سنية حق المعرفة، لم يعرفها إنسان بعد، هذه السيدة من أطيب النساء قلبا، إنني لمعجبة بها وأحبها كما لو كانت أختي.
فؤاد :
هس، حذار أن تسمعك والدتك، ما الفائدة في طيبة قلبها ما دامت سيئة الخلق؟ ألم تلوث سمعة زوجها؟ ألم تمنعها خالتي من زيارتنا اقتداء بجميع الأقارب الذين سمعوا بحادثة طلاقها؟ لقد أصابت بلا ريب في هذا المنع.
علية :
وما ذنب المسكينة في تلك الحادثة؟ أنتم لم تفهموا بعد نفسية تلك المخلوقة وما زال تعصب الرجال يغلي في عروقكم رغم الثياب العصرية التي ترتدونها، كان عمي أكبر منها سنا فقد تزوجها وهو في الخامسة والأربعين، وكانت هي في الثامنة عشر من عمرها، يجب يا عزيزي فؤاد أن تنتظر على الدوام أمثال تلك الحوادث في أسرتنا المصرية، ما دام الزواج عندنا يقوم إلى الآن على تلك الأساليب البالية وهي الاتصال الأعمى على يد الخاطبات، ما كانا ليريا بعضهما إلا ليلة الزفاف، ما كانا ليعلما شيئا عن طباعهما بل كلاهما مجهول من الآخر، عرفت هي تلك الحقيقة المؤلمة في اليوم التالي للزواج، لكن الظروف القاهرة والتقاليد المستبدة أكرهتها على الرضوخ والإذعان، وحالت دون إظهار رأيها في صراحة، أربعة أعوام قضتها تتكلف فيها الحياة في ألم وحسرة إلى أن نفد صبرها، فأظهرت رغبتها لعمي تطلب إليه الانفصال، فثارت ثورته وأخذته عزة الرجال، فاعتصم بالحقوق الوهمية التي يظن أن الدين منحه إياها وليست من الدين شيء، وأكرهها على النزول عند حد إرادته في صلابة وعناد، لكن الطير الواقع في الأسر إنما ينزع دائما إلى الخلاص، لهذا لم تطق المسكينة صبرا إذ فزعت إلى بيت أهلها وكان الطلاق.
فؤاد :
ما شاء الله، أراك تدافعين عنها فوق دفاع المحامي، ماذا تقولين إذن عن سلوكها بعد هروبها إلى دار أبيها؟ ماذا تقولين عن الإشاعات التي دارت حولها وعن علاقتها مع ابن عمها جودت ذلك الشاب المفتون؟
علية :
محض اختلاق، إنها تقابله كأي كائن آخر من صاحباتها وأقربائها، ليس كل ما يقال صحيح.
فؤاد :
صفحة غير معروفة