أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الذكرى
الذكرى
صفحة غير معروفة
تأليف
عبد العزيز أمين الخانجي
أشخاص الرواية
زينب هانم:
سيدة في الثلاثين من عمرها.
علية:
فتاة في السابعة عشرة.
خديجة:
كهلة في الخامسة والأربعين.
سنية:
صفحة غير معروفة
سيدة في العقد الثالث.
مريم:
خادم في العقد الرابع.
نبوية:
خادم صغيرة.
كمال بك:
من كبار مفتشي المالية ومنتدب في محافظة الإسكندرية، في الثلاثين من عمره.
فؤاد أفندي:
ضابط بوليس برتبة الملازم أول، وابن خالة كمال بك.
شريف بك:
صفحة غير معروفة
قائمقام مساعد حكمدار القاهرة، زوج زينب هانم.
شكري أفندي:
برتبة صاغ، مأمور قسم محرم بك بالإسكندرية، في الخامسة والأربعين.
جلال أفندي:
وكيل نيابة بالإسكندرية ومن أعز أصدقاء كمال بك.
الفصل الأول
(صالة جميلة مؤثثة تأثيثا حسنا، للصالة باب كبير يظهر منه جزء كبير من الدرابزين وبضع سلمات رخامية وزاوية من حديقة في ليلة مقمرة، وفي زاوية الصالة منضدة صغيرة عليها مصباح كهربائي على شكل تمثال يمكن تحريكه باليد.)
المشهد الأول
فؤاد - كمال - نبوية
فؤاد (بملابس ضابط بوليس مضمد الذراع برباط يتدلى من عنقه) :
صفحة غير معروفة
أتقولين إنهم في غرفة الأكل؟ أفي هذا الوقت المتأخر من الليل يتناولون طعام العشاء؟ هيه، إنه سحور وليس عشاء.
نبوية :
تأخروا لأنهم كانوا ينتظرون البك زوج الهانم الضيفة، هل أخبرهم بحضوركم؟
فؤاد :
لا ضرورة لذلك، سوف أنتظرهم هنا.
كمال (يدخل من باب إلى اليسار. تخرج نبوية) :
أهلا فؤاد، كيف حالك؟
فؤاد :
لا، لا يا كمال، أنا عاتب عليك، وقد كنت عازما على مقاطعتك بتاتا، لكنني لم أحتمل تنفيذ هذا القرار، هيا عانقني برفق دون أن تلمس ذراعي.
كمال (يعانقه) :
صفحة غير معروفة
علمت أخيرا بما أصابك، لكن ألم تتماثل ذراعك إلى الشفاء بعد؟
فؤاد :
هي اليوم أحسن من الأمس، ولو لم أصطدم بها من حين لآخر لشفيت منذ أمد، لكن آه يا عزيزي إنها مغناطيس تجتذب أنواع المصادمات؛ فما من يوم يمر دون اصطدام، هكذا قدر علي أن أكون كالدادة التي تحمل ربيبها على ذراعيها أينما سارت وحيثما توجهت، لكن ما لنا ولهذا؟ إلي يا كمال نتعانق مرة أخرى، سنتان يا عزيزي لم أرك خلالهما.
كمال :
أتظن ذلك؟
فؤاد :
نعم، ربما أزيد، فإنني عندما أكون في القاهرة تكون أنت في الإسكندرية أو غيرها، وعندما تعود إليها أكون أنا في سوهاج أو أسوان، أنت في تفتيشك المالي وأنا في تنقلاتي الإدارية كضابط بوليس، أنت في الوجه البحري وأنا في الوجه القبلي، فكيف لنا أن نتقابل؟ (يأخذ بيد صديقه إلى مقربة من النور)
أرني وجهك يا كمال لأتملى من مشاهدته، آه يا عزيزي ما كان لنا أن نفترق عن بعض!
كمال :
هو ما تقول، لكن مقتضيات الحياة وظروفها العاتية.
صفحة غير معروفة
فؤاد :
هي الحياة، أجل، هي الحياة التي فرقت بين شابين ترعرعا معا كأخوين يأكلان من إناء واحد، ويسرقان لفائف التبغ من علبة واحدة (ضاحكا)
أتذكر يا كمال لفائف التبغ التي كنا نسرقها سويا من غرفة الضيوف؟ أتذكر أيضا أننا كنا زملاء في مدرسة واحدة وفي فرقة واحدة؟
كمال (يضع يده على منكب فؤاد ضاحكا) :
لكن زمالة الفرقة لم تدم أكثر من عام واحد.
فؤاد (بعد تفكير قليل) :
نعم نعم، سنة واحدة؛ لأن المسيو غارنييه أستاذ اللغة الفرنسية ذلك الأحمق الثرثار عارض في نقلي ونجاحي تلك السنة.
كمال :
كنت ترسب في كل فرقة سنتين على التوالي يا عزيزي فؤاد.
فؤاد :
صفحة غير معروفة
إنك لعلى صواب؛ كان جميع الأساتذة حمقى، لكن المسيو غارنييه كان يفوقهم في الحماقة والثرثرة.
كمال :
لأنه أبقاك ثلاث سنوات على التوالي في فرقة واحدة.
فؤاد :
دعنا من ذلك الآن وأخبرني، هل أنت باق هنا في القاهرة بضعة أيام؟
كمال :
كلا، سأعود إلى مقر عملي غدا في الصباح.
فؤاد :
أبهذه السرعة؟ تأتي اليوم وتسافر غدا؟
كمال :
صفحة غير معروفة
إنما جئت لأمر هام اقتضى أن أقابل من أجله وزير المالية، ويدعوني العمل إلى العودة حتما إلى مقر وظيفتي في صباح الغد.
فؤاد :
إذن أنا سعيد الحظ جدا؛ لأنني حضرت إليك في الوقت المناسب.
كمال :
ماذا؟ أتريدني في مهمة أقضيها لك؟
فؤاد (في حيرة) :
إذا قلت نعم، أو قلت لا، أكون صادقا في الحالتين، فرحت أولا لرؤيتك، وفي نفس الوقت ...
كمال (مقاطعا) :
وفي نفس الوقت تريد مني خدمة أقضيها لك، أليس كذلك؟
فؤاد :
صفحة غير معروفة
لا أريد منك خدمة يا كمال، وإنما هي مسألة دقيقة للغاية أريد أن أفضي بها إليك إذا سمحت لي بنصف ساعة من وقتك العزيز في هذا المساء، وإنه لوقت عزيز بلا ريب؛ لأن لديك ضيوفا (يضحك)
من الجنس الذي لا يمكن إهماله، لكن لا بأس، هذا لا يمنعني من تكرار التوسل إليك في طلب مقابلتك على انفراد.
كمال :
لا بأس.
فؤاد :
بارك الله فيك أيها الصديق، سمعت أن شريف بك والسيدة زوجته في ضيافتكما هذه الليلة، ما سبب هذه الزيارة؟ لا سيما في الأسبوع الذي ارتقى فيه شريف بك إلى منصب مساعد الحكمدار، ماذا ترى في ذلك؟
كمال :
أظن أن لهما مسألة يريدان قضاءها.
فؤاد :
أهي مسألة تستحق الاهتمام؟
صفحة غير معروفة
كمال :
أتعرف الخالة بهية مرضعة زينب هانم؟ للخالة بهية ابن يشتغل كمحصل في محافظة الإسكندرية، ارتكب اختلاسا ظهر منذ أيام فألقي القبض عليه توطئة لمحاكمته أمام القضاء.
فؤاد :
آه فهمت، وحضرا إليك الليلة للتوسط في أمر المختلس لدى سعادة مفتش المالية، كم مقدار المبلغ المختلس؟
كمال :
يقرب من الخمسمائة جنيه.
فؤاد (بصوت تشوبه رنة الاستغراب) :
خمسمائة فقط! لو كنت مكانه لاختلست ألفا.
كمال :
ولم ذلك؟
صفحة غير معروفة
فؤاد :
أتسألني السبب؟ لأنك من كبار مفتشي المالية، ولأن زينب هانم الواسطة في الشفاعة.
كمال (محتدا) :
دع الثرثرة جانبا يا فؤاد، زينب هانم بنت خالتي ورفيقة طفولتي ولا ريب أن لها في قلبي مكانا كبيرا من التجلة والاحترام، لكن هذه الأشياء لا تدعوني كموظف مصري في أي حال من الأحوال إلى الإخلال بشرف الوظيفة.
فؤاد :
لا تغضب فإنني أمزح يا عزيزي ... ما لنا ولهذا؟ (مقتربا من كمال وبصوت خافت)
هل أحدثك يا كمال عن أمر يدخل السرور إلى قلبك؟ لقد رأيت زينب منذ عهد قريب فألفيتها آية في الحسن والجمال، نعم، كانت على شيء من الجمال أيام الصغر إلا أنها كانت نحيفة، يضيع جانب من معاني جمالها في تلك النحافة، أما اليوم فقد أينع ذلك الجمال فغدت ترفل في حلة قشيبة من الحسن والبهاء.
كمال (متظاهرا بعدم الاكتراث) :
ما زلت يا فؤاد ثرثارا كسالف عهدك.
فؤاد (ضاحكا) :
صفحة غير معروفة
قاتل الله الأغراض، إنك لا تقول ذلك من صميم قلبك. إنني أعرفك حق المعرفة.
كمال :
ماذا تعني بقولك؟
فؤاد :
ما أريد أن أعرضه على مسامعكم الشريفة يا مولاي (ثم يضحك) ، أنك كنت مفتونا بها أيام صباك.
كمال :
بالله دع عنك هذا الهذيان، ليس هناك شيء مما تظن، لو كنت أحبها فما الذي كان يمنعني؟
فؤاد :
نعم نعم، ما الذي كان يمنعك؟ لقد كانت المسكينة تنظر في عينيك على الدوام تستمد منهما نور التشجيع، كانت دائما أتبع لك من ظلك، تسير وراءك أينما سرت، وقد لمحت إذ ذاك في حركاتها وسكناتها ذلك الميل نحوك، وها أنت اليوم تأمرني بترك الهذيان.
كمال (بشدة) :
صفحة غير معروفة
فؤاد!
فؤاد :
أقول إنني كنت لمحت في نفسها روح الميل إليك، وما زلت على هذا الرأي. كنت ذات يوم من أيام الصبا في مصيفكم بالرمل، وكنت إذ ذاك في الحديقة منهمكا في إخراج صورة شمسية، فرأيت زينب الصغيرة مختبئة في خميلة تزينها زهور الياسمين والقرنفل، فظننت لأول وهلة أنها هناك بقصد جمع الزهور فلم أحفل بالأمر، لكن تبين لي قصدها بعد قليل؛ فقد تأكد لي أنها لم تختبئ في ذلك المكان إلا بغية التمتع بمراقبتك من على كثب ... كنت أنت إذ ذاك جالسا تحت الشجرة الكبيرة تقرأ في كتاب، ومنذ ذلك الوقت أدركت السر في علامات الاضطراب وشواهد القلق التي كانت ترتسم على محياها عندما يقترب ميعاد عودتك من المدرسة، إنها في ذلك الميعاد كانت تترك اللعب وتترك صويحباتها وكل شأن من شئونها، فتصعد إلى الطابق العلوي من المنزل لتراقب الطريق من محطة الترام إلى المنزل.
كمال :
لكن يا عزيزي كل ذلك لا يدل على شيء، إنك ما زلت أبله كسالف عهدي بك.
فؤاد :
قل ما شئت فإنك لن تستطيع أن تزحزحني قيد شبر عن اعتقادي في أنك كنت مفتونا بتلك الصبية ... لكنك لسبب ما زلت أتحراه إلى اليوم هجرتها ولم تكترث بها.
كمال :
أقسم لك بما بيننا من صداقة أنه لم تجر بيننا كلمة واحدة عن هذه الأمور التي تظن وقوعها.
فؤاد :
صفحة غير معروفة
إنك لصادق فيما تقول؛ إذ ما الداعي إلى الكلام في شئون قد تؤديها الألحاظ بإشارة واحدة وقد تفشيها العيون بنظرة فحسب؟
كمال :
بالله دعنا من هذا.
فؤاد :
وبعد سفرك إلى أوروبا ذبل ذلك العود الناضر واعتراه الاصفرار والنحول، زينب التي كانت زينة المجالس بنكاتها الظريفة وأحاديثها الشهية انقطعت عن الكلام، وصامت عن اللغو وأصبحت لا تنطق الكلمة إلا بتكلف، لكنها اليوم قد انتقمت لنفسها منك، فمن لي بمن يجعلني الساعة في قرارة نفسك لأرى مبلغ شعورك بالألم عندما تراها كما هي اليوم في إبان جمالها ونضارة شبابها وهي ملك غيرك، فما أشد حمقك أيها المسكين!
كمال :
أرجوك أن تسكت يا فؤاد.
فؤاد :
لو كنت مكانك لانتحبت كالأطفال.
كمال (بشدة ظاهرة) :
صفحة غير معروفة
إنك لتؤلمني وتستفزني إلى الغضب مع علمك تماما بأخلاقي، لو شئت أن أقترن بها لما حال بيننا حائل، أما اليوم فهي بنت خالتي وأنا ابن خالتها لا أكثر ولا أقل، هل فهمت؟
فؤاد :
نعم فهمت، سوف أسكت تماما لا سيما وأنه ليس من مصلحتي أن أستفز غضبك الليلة.
كمال :
عفوا، لحظة قصيرة ريثما أعطي البواب بعض تنبيهات. (يخرج من الباب إلى الحديقة ويسمع صوته وهو ينادي: «يا عم عثمان، عثمان».)
المشهد الثاني
فؤاد - شريف بك - الآنسة علية (شريف بك طويل القامة مفتول الشارب على الطريقة الولهلمية، يدخل المسرح مرفوع الهامة بملابسه العسكرية برتبة قائمقام وشكله يلقي إلى الأذهان شيئا عن نفسيته العسكرية الصلبة، وتدخل معه الآنسة علية وهي شابة في مقتبل العمر، طروب، ضاحكة السن.)
شريف :
هذا مؤكد يا آنسة، نعم مؤكد بلا ريب.
علية (بصوت تدل نبراته على الحدة في مناقشة سابقة بينهما) :
صفحة غير معروفة
هل كل شيء عندك صريح ومؤكد يا شريف بك؟ لقد وهبك الله لسانا حادا كسيفك يقطع كل شيء دون مبالاة.
شريف :
نعم، إنني لأقطع كل شيء وألقيه بلا رحمة، لكنني لا أقطع سوى الأشياء المؤذية الضارة التي ليست لها قوة ولا مناعة. (يريد فؤاد أن يهرول نحوهما ليقطع ما بينهما من حديث، لكن شدة المناقشة تحول دون ما يريد؛ إذ يلتفت كل منهما إليه ويبادرانه على التوالي وبسرعة بكلمة بونسوار.)
شريف :
بونسوار فؤاد أفندي.
علية :
بونسوار فؤاد (وتلتفت إلى شريف بك)
أرجوك يا شريف بك أن تنعم النظر فيما تسميه مؤذيا ضارا، إنها لأمور معنوية تزين لنا الحياة، وتبعث فيها روح النشاط، أجل فمن ينكر أن الرحمة والعاطفة والحب والفن ...
شريف (مقاطعا) :
كلمات جوفاء لا معنى لها، والذين يسيرون في تيار تمجيدها إن هم إلا أناس يفرون من الواجب ليسرقوا خبز الفلاح وأجر العامل، إن هم إلا أناس يقفون في سبيل ذلك الدولاب العظيم، دولاب العمل - أي الدنيا - لولا تلك الكلمات الجوفاء لما كان في الدنيا ذلك الجيش الجرار من المجانين والمجرمين والمنتحرين والسفهاء والبلهاء والمعتوهين، نعم هذا مؤكد.
صفحة غير معروفة
فؤاد (يريد أن يتدخل مرة أخرى) :
بالله ما هذه الحرارة والحدة في المناقشة عقب الأكل مباشرة! (إلا أنهما لا يحفلان به فيستمران في مناقشتهما.)
علية :
أكاد أتمرد يا شريف بك، أتقول إن الدنيا دولاب للعمل لا أكثر ولا أقل؟
شريف :
الأولى أن نسميها مصنعا، وما الناس فيها إلا آلات مختلفة تقوم بأعمال متباينة، ليس لنا أن نبحث في علة إنشاء هذا المصنع أو الغاية التي يتحرك من أجلها؛ لأن معرفة ذلك فوق مقدور العقل، وما أفهمه هو أن يقوم الإنسان بوظيفته كجزء من أجزاء المصنع وأن يؤدي واجبه بلا خوف ولا تردد ولا إمهال.
علية :
ما أسخف هذه الغاية!
شريف :
الإنسان الكامل هو من يقوم بهذا الواجب، نعم هذا مؤكد.
صفحة غير معروفة
علية (مستهزئة) :
وأقرب مثل للإنسان الكامل، أنتم مثلا.
شريف :
نعم، إنني كذلك يا علية، أصرح بهذه الحقيقة دون أن أتوارى وراء برقع من التواضع المزيف، أنا كذلك يا عزيزتي رغم ما أشعر به من عجز في بعض الأحايين، أنا كذلك لأنني أقدر ما يمكنني أن أعمله، ولأنني لا أحمل في ذهني أوهاما جوفاء ولا يتسع عقلي للخيال الكاذب.
علية :
ويوجد يا سيدي البك أناس أيضا لا يرون رأيك ولا يفكرون مثل تفكيرك.
شريف :
أجل، خذي فؤاد أفندي مثلا.
علية :
دعك من فؤاد.
صفحة غير معروفة
فؤاد (بغضب) :
هيه، دخلنا في دور الخطر، وما دخلي أنا في مناقشتكما؟
شريف (بسرعة وبدون أن يلتفت إليه) :
باردون فؤاد، حرارة المناقشة ألجأتنا إلى هذا المثل.
علية :
عفوا يا فؤاد ليست المسألة من الأهمية بحيث تستفز غضبك.
فؤاد :
ما شاء الله! ما هذا المنطق يا عزيزتي؟
علية :
إياك أن تغضب (ضاحكة)
صفحة غير معروفة