عمرك ولكن لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم أقدر أن أجلب إليك الغم إلا بهذه الحيلة فإن الغم يذيب الشحم فأجازه على ذلك وأحسن إليه غاية الإحسان وذاق حلاوة الفرح بعد مرارة الغم. قلت ويعجبني قول جعفر بن شمس الخلافة في هذا المعنى:
هي شدة يأتي الرخاء عقيبها ... وأسىً يُبشِّرُ بالسرور العاجل
وإذا نظرت فإن بؤسًا عاجلًا ... للمرء خيرٌ من نعيمٍ زائل
ويعجبني قوله وإن كان في غير ما نحن فيه:
مدحتك ألسنة الأنام مخافةً ... وتشاهدت لك بالثناء الأحسنِ
أتُرى الزمان مؤخِّرًا في مدَّتي ... حتى أعيش إلى انطلاق الألسن
نادرة لطيفة نقل عن قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في تاريخه أن الجنيد قال ما انتفعت بشيء كانتفاعي بأبيات سمعتها قيل له وما هي قال مررت بدرب القراطيس فسمعت جارية تغني من دار وتقول هذه الأبيات:
إذا قلتُ اهدى الهجرُ لي حُلَلَ الأسى ... تقولين لولا الهجرُ لم يطب الحبُّ
وإن قلتُ ما أذنبتُ قلتُ مجيبةً ... حياتُكِ ذنبٌ لا يقاسُ به ذنب
فصعقت وصحت فبينما أنا كذلك إذ خرج صاحب الدار فقال ما هذا يا سيدي فقلت له مما سمعت فقال إنها هبة مني إليك فقلت قد قبلت وهي حرة لوجه الله تعالى ثم دفعها لبعض أصحابنا بالرباط فولدت منه ولدا نبيلا حج على قدميه ثلاثين
1 / 79