فتقدمت إليه وقلت له يا سيدي أن أصحابك ومريديك يتعجبون من سكوتك ثلاثة أيام وأنت ساكت لم تكلم أحدا قال فأقبل علينا وقال يا قوم اعلموا أن الجارية التي رأيتها بالأمس قد شغفت بها حبا واشتغل قلبي بها وما بقيت أقدر أفارق هذه الأرض قال الشبلي فقلت له يا سيدي أنت شيخ أهل العراق ومعروف بالزهد في سائر الآفاق وعدد مريديك أثنا عشر ألفا فلا تفضحنا وإياهم بحرمة الكتاب العزيز فقال يا قوم جرى القلم بما حكم ووقعت في بحار العدم وقد انحلت مني عرى الولاية وطويت أعلام الهداية ثم إنه بكى بكاء شديدا وقال يا قوم انصرفوا فقد نفذ القضاء والقدر فتعجبنا من أمره وسالنا الله تعالى أن يجيرنا من مكره ثم بكينا وبكى حتى أروى التراب ثم انصرفنا عنه راجعين إلى بغداد فخرج الناس إلى لقائه ومريدوه فبي جملة الناس فلم يروه فسالونا عنه فعرفناهم بما جرى فمات من مريديه جماعة كثيرة حزنا عليه وجعل الناس يبكون ويتضرعون إلى الله تعالى أن يرده عليهم وأغلقت الرباطات والزوايا والخوانق ولحق الناس حزن عظيم فأقمنا سنة كاملة وخرجت مع بعض أصحابي نكشف خبره فأتينا القرية فسألنا عن الشيخ فقيل لنا إنه في البرية يرعى الخنازير قلنا وما السبب في ذلك قالوا إنه خطب الجارية من أبيها فأبى أن يزوجها إلا ممن هو على دينها ويلبس العباءة ويشد الزنار ويخدم الكنائس ويرعى الخنازير ففعل ذلك كله وها هو في البرية يرعى الخنازير قال الشبلي فانصدعت قلوبنا وانهملت بالبكاء عيوننا وسرنا إليه وإذا به قائم قدام الخنازير فلما رآنا نكس رأسه وإذ عليه قلنسوة النصارى وفي وسطه زنار وهو متوكىء على العصا التي كان يتوكأ عليها إذا قام في الخطبة فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا يا شيخ ما ذاك وما هذه الكروب والهموم بعد تلك الأحاديث والعلوم فقال يا إخواني ليس لي من الأمر شيء سيدي تصرف في كيف شاء وحيث أراد أبعدني عن بابه بعد أن كنت من جملة أحبابه فالحذر الحذر يا أهل وداده من صده وإبعاده والحذر الحذر يا أهل المودة والصفاء من القطيعة والجفاء ثم رفع طرفه إلى السماء وقال يا مولاي ما كان ظني فيك هذا ثم جعل يستغيث ويبكي ونادى يا شبلي اتعظ بغيرك فنادى الشبلي بأعلى صوته بك المستعان وأنت المستغاث وعليك التكلان أكشف عنا هذه الغمة بحلمك فقد دهمنا أمر لا كاشف له غيرك قال فلما سمعت الخنازير بكاءهم وضجيجهم أقبلت إليهم وجعلت تمرغ وجوهها بين أيديهم وزعقت زعقة واحدة دوت منها
صفحة ٢٦٨