دونك هذا البكر منا تركبه ... وبكرك الميمون حقا تجنبه
حتى إذا ما الليل غاب غيهبه ... عند الصباح في الفلا تسيبه
فنظرت فإذا أنا ببكر قائم عندي وبكري إلى جانبي فانخته وركبته وجنبت بكري فلما سرت قدر عشرة أميال لاحت لي القافلة وانفجر الفجر ووقفت البكر فعلمت أنه قد حان نزولي فتحولت إلى بكري وقلت:
يا أيها البكر قد أنجيت من كرب ... ومن هموم تضل المدلج الهادي
الا تخبرني بالله خالقنا ... من الذي جاء بالمعروف في الوادي
وارجع حميدا فقد أبلغتنا مننا ... بوركت من ذي سنام رائح غادي
فالتفت البكر إلي وهو يقول:
أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا ... والله يكشف ضر الحائر الصادي
فجدت بالماء لما ضن حامله ... تكرما منك لم تمنن بإنكاد
فالخير أبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث من أوعيت من زاد
هذا جزاؤك مني لا أمن به ... فإذهب حميدا رعاك الخالق الهادي
فعجب الرشيد من قوله وأمر بالقصة والأبيات فكتبت عنه وقال لا يضيع المعروف أين وضع.
موعظة حكي أنه كان بمدينة بغداد رجل يعرف بأبي عبد الله الأندلسي وكان شيخا لكل من بالعراق وكان يحفظ ثلاثين ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقرأ القرآن بجميع الروايات فخرج في بعض السنين إلى السياحة ومعه جماعة من أصحابه مثل الجنيد والشبلي وغيرهما من مشايخ العراق قال الشبلي فلم نزل في خدمته ونحن مكرمون بعناية الله تعالى إلى أن وصلنا قرية من قرى الكفار فطلبنا ماء نتوضأ به فلم نجد فجعلنا ندور بتلك القرية وإذا نحن بكنائس وبها شمامسة وقساقسة ورهبان وهم يعبدون الأصنام والصلبان فتعجبنا منهم ومن قلة عقلهم ثم انصرفنا إلى بئر في آخر القرية وإذا نحن بجوار يستقين الماء على البئر وبينهن جارية حسنة الوجه ما فيهن أحسن ولا أجمل منها وفي عنقها قلائد الذهب فلما رآها الشيخ تغير وجهه وقال هذه ابنة من فقيل له هذه ابنة ملك هذه القرية فقال الشيخ فلم لا يدللها أبوها ويكرمها ولا يدعها تستقي الماء فقيل له أبوها يفعل ذلك بها حتى إذا تزوجها رجل أكرمته ولا تعجبها نفسها فجلس الشيخ ونكس رأسه ثم أقام ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يكلم أحدا غير أنه يؤدي الفريضة والمشايخ واقفون بين يديه ولا يدرون ما يصنعون قال الشبلي
صفحة ٢٦٧