أحجاج لا تفجع به إن قتلته ... ثمانا وعشرا واثنتين وأربعا
أحجاج لا تترك عليه بناته ... وخالاته يندبنه الدهر أجمعا
فبكى الحجاج ورق له واستوهبه من أمير المؤمنين عبد الملك وأمر له بصلة.
وحكي أن رجلا زور ورقة عن خط الفضل بن الربيع تتضمن أنه أطلق له ألف دينار ثم جاء به إلى وكيل الفضل فلما وقف الوكيل عليها لم يشك أنها خط الفضل فشرع في أن يبذل له الألف دينار وإذا بالفضل قد حضر ليتحدث مع وكيله في تلك الساعة في أمر مهم فلما جلس أخبره الوكيل بأمر الرجل وأوقفه على الورقة فنظر الفضل فيها ثم نظر وجه الرجل فرأه كاد يموت من الوجل والخجل فأطرق الفضل بوجهه ثم قال للوكيل أتدري لم أتيتك في هذا الوقت قال لا قال جئت لأستنهضك حتى تعجل لهذا الرجل اعطاء المبلغ الذي في هذه الورقة فأسرع عند ذلك الوكيل في وزن المال وناوله الرجل فقبضه وصار متحيرا في أمره فالتفت إليه الفضل وقال له طب نفسا فقال له سترتني سترك الله في الدنيا والآخرة ثم أخذ المال ومضى.
من اللطائف والغرائب الدالة على الوفاء بالذمم ما حكاه بعض خدم أمير المؤمنين المأمون قال طلبني أمير المؤمنين ليلة وقد مضى من الليل ثلثه فقال لي خذ معك فلانا وفلانا وسماهما أحدهما علي بن محمد والآخر دينار الخادم وأذهب مسرعا لما أقول لك فإنه قد بلغني أن شيخا يحضر ليلا إلى دور البرامكة وينشد شعرا ويذكرهم ذكرا كثيرا ويندبهم ويبكي عليهم ثم ينصرف فأمض الآن أنت وعلي ودينار حتى تروا هذه الخربات فاستتروا في بعض الجدران فإذا رأيتم الشيخ قد جاء وبكى وندب وأنشد شيئا فائتوني به قال فأخذتهما ومضينا حتى أتينا الخربات وإذا نحن بغلام قد أتى ومعه بساط وكرسي جديد وإذا بشيخ وسيم له جمال وعليه مهابة ووقار قد أقبل فجلس على الكرسي وجعل يبكي وينتحب ويقول:
ولما رأيت السيف جندل جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وزاد تأسفي ... عليهم وقلت الآن لا تنفع الدنيا
مع أبيات أطالها ورددها فلما قبضنا عليه وقلنا له أجب أمير المؤمنين فزع فزعا شديدا وقال دعوني حتى أوصي وصية فإن لا أوقن بعدها بحياة ثم تقدم إلى بعض الدكاكين فاستفتح وأخذ ورقة وكبت فيها وصية ودفعها إلى غلامه ثم سرنا به، فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين، زجره. وقال له: ومن أنت؟ وبماذا استوجبت البرامكة
صفحة ٢٥٣