أتى عليه ثم قال يا غلام أفرغت من غدائنا قال نعم قال ما هو قال نيف وثلاثون قدرا قال أتئني بقدر قدر فأتاه به ومعه الرقاق فأكل من كل قدر ثلثه ثم مسح يده واستلقى على فراشه وأذن للناس فدخلوا، وصف الخوان وأكل مع الناس.
ونزل رجل بصومعة راهب فقدم إليه الراهب أربعة أرغفة وذهب ليحضر إليه العدس فحمله وجاء فوجده قد أكل الخبز فذهب وأتى بخبز فوجده قد أكل العدس ففعل معه ذلك عشر مرات فسأله الراهب أين مقصدك قال إلى الأردن قال لماذا قال بلغني أن بها طبيبا حاذقا أسأله عما يصلح معدتي فإني قليل الشهوة للطعام فقال له الراهب إن لي إليك حاجة قال وما هي: قال إذا ذهبت وأصلحت معدتك فلا تجعل رجوعك من ههنا.
يحكى أن زياد أمر بضرب عنق رجل فقال: أيها الأمير إن لي بك حرمة قال وما هي قال إن أبي جارك بالبصرة قال ومن أبوك قال يا مولاي أني نسيت اسم نفسي فكيف لا أنسى اسم ابي فرد زياد كمه في فمه وضحك وعفا عنه.
وحكي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن غلاما له وقف يصب الماء على يديه فوقع الإبريق من يد الغلام في الطست فطار الرشاش في وجهه فنظر جعفر إليه نظرة مغضب فقال ي مولاي والكاظمين الغيظ قال كظمت غيظي قال والعافين عن الناس قال عفوت عنك قال والله يحب المحسنين قال إذهب فأنت حر لوجه الله الكريم.
وقيل لما قدم نصر بن منيع بين يدي الخليفة وكان قد أمر بضرب عنقه قال يا أمير المؤمنين اسمع مني كلمات أقولهن قال قل فأنشأ يقول:
زعموا بأن الصقر صادف مرة ... عصفور بر ساقه التقدير
فتكلم العصفور تحت جناحه ... والقصر منقض عليه يطير
إني لمثلك لا أتمم لقمة ... ولئن شويت فانني لحقير
فتهاون الصقر المدل بصيده ... كرما وألفت ذلك العصفور
قال فعفا عنه وخلي سبيله.
وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج يأمر بأن يبعث إليه برأس عباد بن أسلم البكري فقال له عباد: أيها الأمير أنشدك الله لا تقتلني فوالله أني لأعول أربعا وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري فرق لهن واستحضرهن فإذا واحدة منهن كالبدر فقال لها الحجاج ما أنت منه قالت أنا ابنته فاسمع يا حجاج مني ما أقول ثم قالت:
أحجاج إما أن تمن بتركه ... علينا وإما أن تقتلنا معا
صفحة ٢٥٢