ولما تمت بيعته نفذت عنه كتب إلى نواحي الجزيرة بخبر فتحه قرطبة، وكانت موشحةً بما توشح به كتب الفتوح الإسلامية على أهل دار الحرب، من وصف حال القهر، وشدة السطوة والاقتدار على الفتك والاستباحة؛ فأفرط في ذلك إرهابًا للناس بذكره، وتخويفًا لهم من مصثله؛ فكان أجلب لنفار القلوب، وقرف الندوب، وبعث الشرود، ونبش الحقود، لما وتر جميعهم بالحادثة في قرطبتهم؛ فاستشعروا بغضه، وانقادوا لكل من عانده ورد أمره، من عبدٍ أو حر، فزعًا إليهم منه، ويأسًا من خيرٍِ يجيئهم من برابرته؛ فكان ذلك سببًا في تفريق البلاد وتملك أصحاب الطوائف.
قال ابن حيان: وتسمى لوقته من الألقاب السلطانية بالمستعين بالله، وانتقل إلى مدينة الزهراء بجملة جيشه، رجاء أن يحسم عن أهل قرطبة معرتهم، فضاقت الزهراء عنهم، فنزلوا بما يتصل بها من منازل الناس، ونزل ابنا حمودٍ: علي والقاسم، قائدا فرقة المغاربة، بشقندة؛ وامتحن هشام المؤيد بالله مع سليمان عند خوله القصر؛ فقيل إنه قضي عليه، وقيل إنه فر من يديه. وكان هشام - عند ما رآه من اضطراب أمره، وتيقنه من انصرام دولته، بما مني به قديمًا وحديثًا، من تمالؤ بني عمه آل الناصر عليه، وقيامهم واحدًا بعد واحد في خلعه - صير إلى علي بن حمودٍ ولاية عهده، وأوصى إليه بالخلافة من بعده
1 / 37