أمر به من أهل الأمصار، فأجدهم درجات في الغباوة وقلة الفهم بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد، حتى كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاصة ومقايسة. قال أبو علي: فقلت: إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم، بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم، فسأحتاج إلى ترجمان، بهذه الأوطان.
قال ابن بسام: فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق في ذكائهم ويتغطى عنهم عند المباحثة والمفاتشة، ويقول لهم: إن علمي علم رواية، وليس بعلم دراية، فخذوا عني ما نقلت، فلم آل لكم أن صححت. هذا مع إقرار الجميع له يومئذ بسعة العلم وكثرة الروايات، والأخذ عن الثقات؛ ولولا أن كل معنى معترض، يزيح سهمي عن ثغرة الغرض، المقصود في هذا الكتاب، لأوردت في هذا الباب، بعض ما وقع لأهل الأندلس من عجب، وسمع لهم من نادر مستغرب. وسيمر منه في تضاعيف هذا التصنيف ما فيه كفاية، ويربي إن شاء الله على الغاية. ولعل بعض من يتصحفه سيقول: إني أغفلت كثيرًا، وذكرت خاملًا وتركت مشهورًا. وعلى رسله، فإنما جمعته بين صعبٍ قد ذل، وغرب قد فل، ونشاط قد قل، وشباب ودع فاستقل؛ من تفاريق كالقرون الخالية، وتعاليق كالأطلال البالية، بخط جهال كخطوط الراح، أو مدارج النمل بين مهاب الرياح؛ ضبطهم تصحيف، ووضعهم تبديل وتحريف؛ أيأس الناس منها طالبها، وأشدهم استرابة بها كاتبها؛ ففتحت أنا
1 / 15