على زمن بمقصور؛ وعزيز على الفضل أن ينكر، تقدم به الزمان أو تأخر، ولحى الله قولهم: الفضل للمتقدم، فكم دفن من إحسان، وأخمل من فلان. ولو اقتصر المتأخرون على كتب المتقدمين، لضاع علم كثير، وذهب أدب غزير.
وقد أودعت هذا الديوان الذي سميته ب - " كتاب الذخيرة، في محاسن أهل هذه الجزيرة " من عجائب علمهم، وغرائب نثرهم ونظمهم، ما هو أحلى من مناجاة الأحبة، بين التمنع والرقبة، وأشهى من معاطاة العقار، على نغمات المثالث والأزيار؛ لأن أهل هذه الجزيرة - مذ كانوا - رؤساء خطابة، ورؤوس شعر وكتابة، تدفقوا فأنسوا البحور، وأشرقوا فباروا الشموس والبدور؛ وذهب كلامهم بين رقة الهواء، وجزالة الصخرة الصماء، كما قال صاحبهم عبد الجليل ابن وهبون يصف شعره:
رقيق كما غنت حمامة أيكة ... وجزل كما شق الهواء عقاب على كونهم بهذا الإقليم، ومصاقبهم لطوائف الروم؛ وعلى أن بلادهم آخر الفتوح الإسلامية، وأقصى خطى المآثر العربية؛ ليس وراءهم وأمامهم إلا البحر المحيط، والروم والقوط؛ فحصاة من هذه حاله ثبير، وثمده بحر مسجور؛ وقد حكى أبو علي البغدادي الوافد على الأندلس في زمان بني مروان قال: لما وصلت القيروان وأنا أعتبر من
1 / 14