وتفصيل الخبر هو أنه حين نظر الحكمان في أمرهما وما اجتمعا عليه «أراد عمرو أبا موسى على معاوية فأبى، وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبو موسى عمرا على عبد الله بن عمر فأبى عليه»،
56
ومن ثمة قررا أن يجعلا الأمر شورى بين المسلمين، فيختارون لأنفسهم من أحبوا، وعموما نرى جميع المؤرخين من العرب ينسبون إلى عمرو بن العاص أنه خدع أبا موسى بتثبيته صاحبه معاوية وخلعه عليا بعد أن خلع زميله الزعيمين، ترى هل من الممكن أن يعلو رجل عرش الخلافة إذا غش مندوبه مندوبا آخر فحسب؟ إن حيلة عمرو لا يقبلها المنطق، إذ إنه لو تسنى له أن يخدع أبا موسى لأثار الرأي العام عليه، ولحول الأنظار نحو علي، سيما وقد شهد المعتزلة المحايدون والأربعمائة مندوب من العراق قرارات المؤتمر،
57
ثم كيف تفسر ثورة الخريث بن راشد؟
58
ذاك الرجل الذي أخلص لعلي وشهد معه معركة صفين والنهروان، ولم يندفع البتة مع تيار الخوارج، لو خدع عمرو أبا موسى هل يعقل ان ينفخ الخريث في بوق الثورة وينشق على ابن أبي طالب بينا يعلم أن صاحبه خدع خدعا؟
لم تكن ثورة الخريث نتيجة لخدعة عمرو الخيالية، إنما لأنه أراد أن ينفذ إرادة الحكمين المتفقين، ويدعو إلى الشورى، ولأن عليا ضعف عن الحق إذ جد الجد،
59
فخلعه حكمه الذي ارتضاه لنفسه، وهذا كان الرأي الذي خرج عليه من الكوفة.
صفحة غير معروفة