عنه وأصبح غادرا عمرو
وإن كان المؤتمر لم يعقد في دومة الجندل فذلك يرجع إلى سلوك علي؛ لأنه أمل أن يؤخر تاريخ انعقاده لبينا يتسنى له ضم الخوارج إلى حظيرته بعد أن انشقوا عنه، ولربما لقطع العلائق ثانية مع معاوية، ثم إن عليا لم يدفع مندوبيه لحضور المؤتمر ويحرج عليهم في ذلك؛ ولذا تأخروا عن الميعاد المضروب له،
54
مما جعل أنصار علي نفسه يجبرونه على الوفاء بعهده، أما أهل الشام فقد قدموا للموعد الذي واعدهم إياه الحكمان.
أجل، قررت بعد ذلك دمشق والكوفة أن تكون أذرح مركزا لاجتماع الحكمين؛ نظرا لتوفر أسباب الحياة فيها وكثرة مياهها، مما فضلت به على دومة الجندل، وقد رجا معاوية المعتزلة حضور المؤتمر ليشهدوا ما يكون من أمرهما.
55
المقابلة بين حزب علي وحزب معاوية
لا بدع أن الحزبين لم يكونا متعادلين في المندوبين السياسيين اللذين مثلاهما؛ لأن عمرا ذلك الداهية المشهور يعلم من أين تؤكل الكتف في الأمور السياسية الخطيرة، عدا ما اتصف به من فصاحة اللسان، ولما كان معاوية يشك في حسن مقاصده فقد أرسل له أخاه عتبة مشيرا.
أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص
أما أبو موسى الأشعري فكان حاكما للكوفة يوم مثلت مأساة المدينة، إلا أنه حين اشتعلت نار الحرب الأهلية اعتزل الفتنة، وهو من أصحاب رسول الله، له شرف ونبل، لكنه لم يكن ليعد من أنداد عمرو في أساليب السياسة والدهاء، ولقد كان خطيبا ذا أفق عقلي محدود، ومهما يكن من أمرهما فإن المفاوضات التي دارت بين الاثنين تظهر لنا شخصيتهما وقواهما العقلية في الدفاع عن آرائهما.
صفحة غير معروفة