وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن فلانا لم يزل أمس يذكرك ويقول: عمرو الضال، فقال له عمرو: والله يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.
واغتاب سفيان بن الحسين رجلا عند إياس بن معاوية فقال: هل غزوت الروم؟ قال: لان قال: هل غزوت الترك؟ قال: لا، قال: سلم منك الروم والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم، قال: فلم أغتب بعد ذلك أحدا.
وكان بعضهم إذا ذكر عنده ميت بسوء يقول: كفوا عن اشتراء الثرى .
وعن كعب الأحبار: أعظم الناس خطيئة المثلث، وهو الذي يسعى بأخيه فيهلك نفسه وأخاه وسلطانه، فدع الأسرار تحت الأستار.
وما أحسن ما قاله نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم سلام الله عليه: يابني اصحب من صحبت بالستر لعورته، ولا تطل معاتبته إذا هفا، ولا جفوته إذا جفا، ولا تأخذه بالغاية القصوى، فإن زل فأقله، وإن قصر فاحتمله، وإن تمرد عن التوبة فعليك أن تحذر منه.
البحث الثالث في الأسباب الحاملة على الغيبة
وقد ذكر منها أمورا:
الأول: شفاء الغيظ، فمن غضب على شخص بسبب تشفا عند أن يهيج غضبه بذكر مساوئ أخيه.
الثاني: موافقة الندماء، فإنهم إذا اجتمعوا وتفاكهوا بذكر الأعراض رأى أنه لو أنكر وقطع المجلس استقلوه ونفروا فيساعدهم، ويرى ذلك من حسن المعاشرة، ويظن أنه يجامل في الصحبة، وقد يغضب رفقاه، فيحتاج أن يغضب لغضبهم إظهارا للمشاركة في الضراء والسراء، فيخوض معهم في ذكر العيوب.
الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيذمه عند بعض الرؤساء ويشهد عليه بشهادة فيبادر قبل ان يفتح حاله فيطعن فيه إثر شهادته عليه، وقد يبتدي بذكر ما فيه صادقا ثم يكذب عليه، فيروج كذبه بالصدق الأول.
الرابع: المباهاة وحب الرئاسة، مثل أن يقول كلام فلان ركيك، ومعرفته بالفن الفلاني ناقصة، وغرضه إظهار فضله عليه.
صفحة ١٣