الخامس: الحسد وإسقاط قدر من يمدحه الناس بذكر مساويه؛ لأنه يشق عليه ذكر ثناء الناس عليه، ولا يجد سبيلا إلى سد باب الثناء عليه إلا بذكر عيوبه، وكثيرا ما يكون الحسد من القرابة والجيران والشركاء، كما قيل لبعضهم: ما بال فلان يغتابك وينقصك؟ قال: لأنه شريكي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصفة.
السادس: اللعب والهزل، والمطايبة وترجية الوقت بالضحك والسخرية، فيذكر غيره بما يضحك الحاضرين على سبيل الهزؤ.
البحث الرابع فيما يعالج به من وقوع الغيبة
وذلك بأن يعلم أن ذلك يعرضه لسخط الله، ويحبط حسناته، فإنها تنتقل يوم القيامة إلى من اغتابه عوضا عما هتكه من عرضه، فمهما صدق العبد بما ورد في الغيبة من الوعيد لم ينطق به لسانه خوفا من ذلك، وينعفه أن ينظر في نفسه، فإن لم يجد بها عيباص فليشكر الله على ذلك، وإن وجد بها عيبا اشتغل بعيب نفسه، ويذكر: ((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس)) فيقبح منه ان يترك نفسه ويذم غيره.
وعن المسيح عليه السلام: لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبكم كالعبيد، ينظر أحدكم القذى في عين أخيه ولا ينظر الجذع في عينه، مثلكم مثل القبور المجصصة بروق ظاهرها وباطنها فيها ما فيها، وقد نظم ذلك من قال:
أهملت نفسك في هواك ولمتني ... لو كنت تنصف لمت نفسك دوني
ما بال عينك لا ترى أقذاءها ... وترى الخفي من القذى بجفوني
وأتى إلى علي عليه السلام رجل استوجب الحد، فقال: إذا اختلط الظلام فاتوني بالشهود متعممين، فلما حضروا للشهادة قال: أنشد الله رجلا مثل هذا الحد إلا انصرف فانصرفوا جميعا.
ولبعضهم:
لا تفشين مساوئ الناس ما ستروا ... فيكشف الله سترا من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
ولآخر:
أرى عيوب العالمين ولا أرى ... عيبي خصوصا وهو مني أقرب
صفحة ١٤