ولو ظننا الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى. لاعتمدنا على هذا العذر وواليناهم، ولكنا نخاف ان يقول سبحانه لنا: ان كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلى الله عليه وآله وموالاة من صدقه ومعاداة من عصاه وجحده وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية القائلين غدا ربنا انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل. فاما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها الا ترى إلى قوله تعالى: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فهو اخبار معناه الأمر كقوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. وقد لعن الله تعالى الغاصبين بقوله: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود. وقوله ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا وقوله: ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا وقال الله لإبليس: وان عليك لعنتي إلى يوم الدين. وقال: ان الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا. فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن وان الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت وانه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لي لكان خيرا له ولو أن انسانا عاش عمره كله ولم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك. فكلام جاهل لا يدرى ما يقول اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على ووجهها، وهو ان يلعن مستحق اللعنة لله وفى الله لا في العصبية والهوى، لأن الشرع قد ورد بها في نفى الولد ونطق بها القرآن، وهو ان يقول الزوج في الخامسة: ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. فلو لم يكن الله تعالى يريد ان يتلفظ عباده بهذه اللفظة، وانه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز ولما قال في حق القائل: وغضب الله عليه ولعنه وليس المراد من قوله ولعنه الا الأمر لنا أن نلعنه، ولو لم يكن المراد ذلك لكان لنا ان نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه
صفحة ١٣