العقلاء ينقسمون بالنسبة إلى كمال اللذات على قسمين ، فقسم يرى أن سعادته في اللذات الحسية من المآكل والمشرب والمركب والمنكح والملبس ، فيحمله هذا الاعتقاد على التأنق في ذلك والتفنن فيه ، ويراه هو الكمال الإنساني والغاية والخير المطلوب والسعادة القصوى ، وما ركب فيه من القوى إنما هي لأجل هذه اللذات والتوصل إليها ، وهذا هو اعتقاد الطبقة المنحطة رعاع الناس وجهالهم وسفلة القوم وسقاطهم عبيد الشهوات الخسيسة ، وما علموا أنهم يشاركهم في تلك الصفات الحيوان الأعجم ، وقسم يرى اللذات الحسية مهما بلغت من الحسن والجمال فهي عوارض غير مقصودة بالذات ، وإنما الكمال والسعادة في اللذات المعنوية ، من العقل والعلم والحكمة والفوز على الأعداء وشرف النفس والشجاعة والعفة وكرم الأخلاق ومقارعة الباطل ببرهان الحق ، والعمل للسعادة السرمدية والنعيم المقيم ، وأمثال هذه الكمالات وهذا القسم هم المشاركون للملائكة المقيمون بينهم بروحانيتهم المستنيرون بالنور الإلهي لا يرون للحسيات وزخاريفها شأنا ولا تختلبهم خدائع الطبيعة الجسمانية ، ولا يحزنون على فقد محبوب ولا يتحسرون على فوت مطلوب ، يستمدون من فيوض الآمال ويستعذبون أشد الأهوال ، وما ذلك إلا لما في نفوسهم من اللذة المعنوية الصحيحة ، يعسر فك رموزها على النفوس التي أخلدت إلى الحسيات والجهل المبين .
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
1. يذكر لنا التاريخ رجالا يأتون ضروبا من عظائم الأمور وأئمة تجرعوا كؤوس الحتف نصرة للحق، واشتياقا إلى الحق تعالى ، أترى ذلك منهم لسوى تلك السعادة والكمال المعنويين في نفوسهم ؟ كلا { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } ( الجمعة /4)
صفحة ٨٨