نعم ينبغي للمؤمن الانكفاف عن بعض المباح أحيانا تحفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة وتوطينها على الاقتصاد الذي هو وسط بين رذيلتين : التقتير والتبذير ، { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } ( الإسراء/ 29)(1) وحديث ( إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين )(2) محمول على ما قلناه
(1) في معنى ما قلناه قوله (عليه الصلاة والسلام) ( ما عال من اقتصد ) أخذ المعنى ابن الوردي في لاميته المشهورة الجليلة :
بين تبذير وبخل رتبة فكلا هذين إن زاد قتل
(2) الحديث في الجامع الصغير وفي جامع الشمل أورده شيخنا على قاعدة العمل بالحديث الضعيف في باب الترغيب والترهيب .
1. وحمله على حرمة التنعم خطأ هائل ، ولاريب أن ترك التنعم رهبانية وقد قال عليه - الصلاة والسلام- ( لارهبانية في الإسلام ) ولنا برسول الله أسوة حسنة أولا ترى إلى قوله تعالى: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } ( الجاثية / 13)وقوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } ( البقرة/ 29 )
وغيرهما من الآيات كيف يتبادر إلى الذهن النفع الذي تدل عليه اللام وكيف تشرق في سماء الأذهان النقية تلك الحكمة البالغة .
على أن ما ينتقده الجامدون ليس بتنعم وإنما هي بساطة في المعيشة عادية ربما عدت تقتيرا ، وهل يريد هؤلاء أن تكون معيشة العقلاء كمعيشة الحيوان الأعجم ؟ وما هذا إلا تنطع وليس من صفات الإسلام التي هي سعادة ونعيم : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) .
صفحة ٨٦