الاتحاد فكرة حيوية لا تقاوم ولن تقتحم ، وقوة توجد نظاما بديعا وبناء محكما ، يخضع أمامها كل ظلوم وغشوم ، هذه المنقبة الكبرى لا تتحملها نفوس عليلة الأفكار أسيرة غايات لها، فكيف بالتي في باطنها خيانة أو نفاق أو مكر وأمثالها من الكبائر الموبقة للمبتلى بها ولقومه ، المفيدة للأضداد المترصدين ، قاتلها الله من صفات لعينة تلعب بنفوس فتذرها جذوعا خاوية وأيد شلاء لا تتناول أمرا إلا صيرته شتيتا ولا تدخل جمعا إلا جعلته وحدانا ولا تبدي رأيا إلا كان مأفونا ، حظه عند ذوي الألباب المقت والحرمان ، صفات يبغضها الله ورسوله والمؤمنون ، صاحبها أحبولة الطريد وفخ الشريد يتخذها المجرم آلته يعمل بها على حسابه وهو لا يشعر، كم هدمت من مشيد المجد ، ونسفت من جسور الوئام ، واجتثت من غروس الإصلاح ، وجلبت من أضرار جسام وقوضت من آثار المودة ، هن أمهات الشقاء وأصول البلايا لو تطهر منها المبتلون بها لعاد السهم إلى النزعة وانتأى كل بلاء ، ولو التفتوا إلى نفوسهم بالتزكية من مفاسد الأخلاق وأمسكوا عن الخوض فيما ليس لهم به علم حتى يعلموا لسلموا وسلم سواهم من أسوائهم ( لو سكت من لا يعلم لبطل الخلاف ).
إنا لفي زمن ترك القبيح به
من أثر الناس إحسان وإجمال
كلمة في الأخلاق
إذا كانت الأخلاق الطاهرة في قوم كانوا على جانب من العز والكرامة ، قال العلامة بدر الدين التلاتي(1) في ( الفتح المبين ) : (الخلق كيفية راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الاختيارية الممدوح بها بسهولة بحيث لا يتكلف صاحبها في إيجاد تلك الأفعال كالإعطاء والصفح عن الزلات ومقابلة الإساءة بالإحسان من أعظم أسباب سعادة الأمم الأخلاق الفاضلة ، ولا أجمل من أخلاق الإسلام فقد تكفلت بسائر وسائل الإسعاد والفوز في كل المواطن لمن تخلق بها ، فإنه لم يدع خصلة كريمة وسمة جميلة إلا أمر بها ، ولا صفة خسيسة إلا نهى عنها .
صفحة ١٣١