إعلم أن النفس العاقلة إذا عرفت شرف نفسها وأحست بمرتبتها من الله عز وجل أحسنت خلافته في تربية قواها الثلاث : العاقلة والسبعية والبهيمية وسياستها ونهضت بالقوة التي أعطاها الله تعالى إلى محلها من كرامة الله تعالى ومنزلتها من العلو والشرف ولم تخضع للسبعية ولا للبهيمية ، بل تقوم النفس الغضبية ( وهي السبعية ) وتقودها إلى الأدب بحملها على حسن الطاعة ، ثم تستنهضها في أوقات هيجان هذه النفس البهيمية وحركتها إلى الشهوات حتى تقمع بهذه سلطان تلك وتستخدمها في تأديبها وتستعين بقوة هذه على إباء تلك .
قال بعض علماء النفس : إن الغضبية قابلة للأدب قوية على قمع الأخرى ، والبهيمية عادمة للأدب غير قابلة له ( على هذا الرأي )
وأما النفس العاقلة فقد شبهها كبار الحكماء والفلاسفة كابن مسكويه(1) بالذهب في اللين والانعطاف ، فمتى آثرت الفعل الجميل وجاذبيتك البهيمية إلى خلافة فاستعن بالقوة الغضبية التي تثيرها الأنفة وعزة النفس واقهر بها البهيمية ، وإن غلبتك ثم ندمت وأنفت في منهج الصلاح فتمم عزيمتك واحذر معاودتها إليك بالطمع والغلبة ، وإلا كنت كما قال الحكيم الأول : إني أرى أكثرالناس يدعون محبة الأفعال الجميلة ثم لا يحتملون المؤنة فيها على علمهم بفضلها فيغلبهم الترفه ومحبة البطالة ، فلا يكون بينهم وبين من لايحب الأفعال الجميلة فرق إذا لم يتحملوا مؤنة الصبر ويصبروا إلى إدراك ما عرفوا فضله ، فمثله كمثل الضرير والبصير الواقعين في بئر فهما في الهلكة سواء وإن كان الأول أعذر .
صفحة ١٢١