بالألف «1»، أي تركوا دين الإسلام ودخلوا في اليهودية والنصرانية، نزل في اليهود والنصارى «2»، أي إن الذين تركوا دينهم (وكانوا) أي صاروا (شيعا) أي فرقا بأديان مختلفة (لست منهم في شيء) أي من قتالهم، يعني لم تؤمر بقتالهم، ونسخ بآية السيف «3»، وقيل: نزلت الآية في أهل الهواء والبدع «4»، فمعنى الكلام: أنت بريء منهم وهم برآء منك أو ليس بيدك توبتهم ولا عذابهم، قال رسول الله عليه السلام: «تفرقت بنو إسرائيل اثنين وسبعين ملة، وتفرقت أمتي على ثلث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا واحدة، وهي ما أنا عليه وأصحابي» «5»، وفيه حث للمؤمنين أن لا يتفرقوا في الدين ويجتنبوا عن البدع ما استطاعوا، ثم قال (إنما أمرهم) أي مفوض حكمهم (إلى الله ثم ينبئهم) أي يخبرهم (بما كانوا يفعلون) [159] في الدنيا، فيجازيهم بما فعلوا فيها.
[سورة الأنعام (6): آية 160]
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون (160)
(من جاء بالحسنة) أي من عمل بعد الإيمان عملا حسنا (فله عشر أمثالها) باضافة «عشر» إلى «أمثالها»، ولم يقل عشرة وإن كان الأمثال مذكرا، لأن التقدير عشر حسنات أمثالها، فحذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه، أي يعطي في الآخرة ثواب عشرة للواحدة (ومن جاء بالسيئة) أي ومن عمل عملا رديا من المعاصي (فلا يجزى إلا مثلها) أي لا يعاقب إلا عقابا يماثلها (وهم لا يظلمون) [160] أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا ولا يزادون على سيئاتهم كقوله تعالى «إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها» «6»، قال عليه السلام: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها يكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها يكتب له بمثلها حتى يلقى الله تعالى» «7».
[سورة الأنعام (6): آية 161]
قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (161)
ثم قال أهل مكة: أنت بشر مثلنا فمن أين لك هذه الفضيلة فنزل «8» (قل إنني هداني) أي أرشدني بلطفه (ربي) أي سيدي ومولاي (إلى صراط مستقيم) أي إلى دين ذي استقامة، وهو الإسلام، قوله (دينا قيما) نصب بمضمر هو جواب سؤال مقدر، كأنه قيل كيف هداك ربك إلى صراط مستقيم؟ فقال عرفني دينا محكما ثابتا في غاية الثبوت، قرئ بفتح القاف وكسر الياء مع التشديد «9» فيعل، من قام كسيد من ساد، صفة «دينا» وبالعكس مع التخفيف مصدر بمعنى القيام وصف به الدين مبالغة كرجل عدل (ملة إبراهيم) بدل من «دينا» (حنيفا) نصب على الحال من «إبراهيم»، أي دين إبراهيم حال كونه مخلصا في الإسلام (وما كان من المشركين) [161] أي لم يكن على دينهم.
[سورة الأنعام (6): آية 162]
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162)
(قل إن صلاتي) المفروضة على وعلى من تابعني (ونسكي) أي وعبادتي أو حجي أو قرباني المذبوح بمنى (ومحياي) أي وحياتي في الدنيا بالعمل الصالح (ومماتي) أي وموتي بعد الحيوة على الإيمان وخلوص العمل (لله رب العالمين) [162] أي خالص لله الخالق لكل شيء.
صفحة ٤٨