عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي

أحمد بن محمود السيواسي ت. 860 هجري
184

عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي

تصانيف

أجسادهم، فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» «1».

[سورة النساء (4): آية 18]

وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18)

ثم أوضح معنى القريب بقوله (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) أي الذنوب دون الشرك مصرين على فعلهم (حتى إذا حضر أحدهم الموت) أي وقع في سكرات الموت سوى علامات الموت، فان التوبة تقبل «2» فيها (قال إني تبت الآن) من ذنوبي، يعني لا يقبل التوبة منه ثمه، لأنها حالة اليأس «3» دون الاختيار، قوله (ولا الذين يموتون) عطف على «الذين يعملون السيئات»، أي ليست التوبة للذين ماتوا (وهم كفار) أي مصرون على كفرهم يعم المنافقين والمشركين، فسوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر تغليظا، ولأن حضرة الموت أول أحوال الآخرة، فكأنهم ماتوا بلا توبة على اليقين (أولئك أعتدنا) أي هيأنا (لهم عذابا أليما) [18] أي وجيعا دائما.

[سورة النساء (4): آية 19]

يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)

قوله (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) نزل نهيا عن إرث نساء آبائهم بعد موتهم، أي أول الإسلام كما كانوا يرثونهن وإن شاؤا زوجوهن وأخذوا صداقهن «4»، أي لا يباح لكم إرث نساء آبائكم كما يورث المواريث والحال أنهم كارهات لذلك، ف «كرها» مصدر في موضع الحال من النساء، ونزل حين كان الزوج يضار زوجته في نكاحه بأنواع البلايا «5» والظلم إذا لم يكن «6» من حاجته لتفتدي منه «7» (ولا تعضلوهن) عطف على «أن ترثوا»، أي ولا يحل لكم أن تمنعوهن عما يحل لهن من النكاح، من العضل وهو الحبس والتضييق، ويجوز أن يكون الجزم فيه للنهي بالاستئناف، أي لا تمنعوهن من النكاح (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) من الصداق وغيره (إلا أن يأتين بفاحشة) استثناء متصل من المفعول له، أي لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن «8» يفعلن الزنا أو النشوز، فحينئذ يحل لكم ما أخذتم منها، قوله (مبينة) صفة «فاحشة»، قرئ بفتح الياء، أي بينها «9» غيرها، وبكسر الياء «10»، أي تبين هي نفسها، قيل: «كان الرجل إذا أتت المرأة بفاحشة أخذ منها ما ساق إليها ويطلقها» «11»، فنسخ ذلك بالحدود «12»، والمعنى: أنها إذا نشزت أو زنت حل للرجل أن يسألها «13» الخلع وتعطيه ما سألها بطيبة نفسها، قوله (وعاشروهن) أي صاحبوهن (بالمعروف) أي بالقول الجميل والمبيت والنفقة، نزل حين كانوا يسيؤون عشرة النساء «14»، ثم قال (فإن كرهتموهن) أي إن كرهتم «15» صحبتهن (فعسى أن تكرهوا شيئا) أي فاصبروا عليهن ولا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها، فقوله «فعسى»

صفحة ٢٠٣