ولا هجا أحدًا إلا وضعه وأنت رجل كما علمت فقيرًا خامل الذكر ذو بنات، وعندنا لقحة نعيش بها فلو سبقت الناس إليه فدعوته إلى الضيافة ونحرت له واحتلت لك فما تشتري به شرابًا يتعاطاه؛ لرجوت لك حسن العاقبة، فسبق إليه المحلق، فأنزله ونجر له، ووجد المرأة قد خبزت خبزًا وأخرجت نحيًا فيه سمن وجاءت بوطب لبن، فلما أكل الأعشى وأصحابه، وكان في عصابة قيسية، قدم إليه الشراب واشتوى له من كبد الناقة، وأطعمه من أطايبها، فلما جرى فيه الشراب وأخذت منه الكأس سأله عن حاله وعياله فعرف البؤس في كلامه، وذكر البنات، فقال الأعشى: كفيت أمرهن، وأصبح بعكاظ ينشد قصيدته:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق
ورأى المحلق اجتماع الناس، فوقف يستمع، وهو لا يدري أين يريد الأعشى بقوله، إلى أن سمع:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
ترى القوم فيها شارعين، وبينهم ... مع القوم ولدان من النسل دردق
لعمري قد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرق
ترى الجود يجري ظاهرًا فوق وجهه ... كما زان متن الهندواني رونق
فما أتم القصيدة إلا والناس ينسلون إلى الملحق يهنئونه، والأشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه جريًا يخطبون بناته؛ لمكان شعر الأعشى، فلم تمس منهن واحدة إلا في عصمة رجل أفضل من أبيها ألف ضعف.
1 / 49