كما وقع لي ذلك في كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود الذي جمعت فيه عهود المشايخ التي أخذوها علي فإن بعض الحسدة لما رأى إقبال الناس على تلك العهود وعرف عجزه عن الوفاء بها مع ادعائه المشيخة عمل حيلة واستعار من بعض المغفلين من أصحابي نسخة وأوهمه شدة الاعتقاد في جنابي وكتب منها عدة عهود ودس فيها أمورا مخالفه لظاهر الكتاب والسنة وأشاعها عني في مصر فحصل بذلك فتنة عظيمة في الجامع الأزهر وغيره وانتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني والشيخ شهاب الدين الرملي وجماعة وأجابوا عني بتقدير صحة ذلك مني وما سكنت الفتنة حتى أرسلت للعلماء نسختي التي عليها خطوطهم ففتشوها فلم يجدوا فيها شيئا مما دسه الحسدة وأشاعوه عني ومن تلك الواقعة ما ألفت كتابا إلا وتعرضت فيه لما دسته الحسدة في كتبي وتبرأت فيه من كل شئ يخالف الكتاب والسنة طلبا لإزالة ما في نفوس بعض الناس لئلا يحصل لهم الإثم بذلك فهذا كان سبب تشييدي لعهود هذا الكتاب بالأحاديث والآثار فإن الحاسد لو دس فيه شيئا يخالف الأحاديث التي أذكرها لا يروج له أثر عند الناس وكيف يستدل مؤلف لكلامه بالأحاديث التي يخالفه منطوقها أو مفهومها هذا أمر بعيد فالله يحفظ هذا الكتاب من مثل ذلك إنه سميع مجيب.
واعلم يا أخي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان هو الشيخ الحقيقي لأمة الإجابة كلها ساغ لنا أن نقول في تراجم عهود الكتاب كلها أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني معشر جميع الأمة المحمدية فإنه صلى الله عليه وسلم إذا خاطب الصحابة بأمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب انسحب حكم ذلك على جميع أمته إلى يوم القيامة فهو الشيخ الحقيقي لنا بواسطة أشياخ الطريق أو بلا واسطة مثل من صار من الأولياء يجتمع به صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالشروط المعروفة عند القوم وقد أدركت بحمد الله تعالى جماعة من أهل هذا المقام كسيدي علي الخواص والشيخ محمد العدل والشيخ جلال الدين السيوطي وإضرابهم رضي الله عنهم أجمعين ثم لا يخفى عليك يا أخي أن من شأن أهل الله عز وجل كونهم يأخذون العهد على المريد بتركه المباح زيادة على الأمر والنهي طلب الترقية إذ المباح لا ترقي فيه من حيث ذاته وإنما هو أمر برزخي بين الأمر والنهي جعله الله تعالى مرتبة تنفيس للمكلفين يتنفسون به من مشقة التكليف إذ الإقبال على الله تعالى في امتثال الأمر واجتناب النهي على الدوام ليس من مقدور البشر فأراد أهل الله تعالى للمريد أن يقلل من المباح جهده ويجعل موضعه
صفحة ٥