(وأتو بالعهد إن العهد كان مسؤولا) (قران كريم بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الامام العلامة العمدة الهمام، البحر المحقق الفهامة، عين أعيان المحققين العظام، وأوحد أجلا العارفين الكرام، القطب الرباني والعارف المحقق الصمداني الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراوي رضي الله تعالى عنه:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين صلاة وسلاما دائمين متلازمين أبد الآبدين آمين (وبعد) فهذا كتاب نفيس لم يسبقني أحد إلى وضع مثاله ولا أظن أحدا نسج على منواله ضمنته جميع العهود التي بلغتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل المأمورات وترك المنهيات (وسميته لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية) وكان الباعث لي على تأليفه ما رأيته من كثرة تفتيش الإخوان على ما نقص من دنياهم ولم أرى أحدا منهم يفتش على ما نقص من أمور دينه إلا قليلا فأخذتني الغيرة الإيمانية عليهم وعلى دينهم فوضعت لهم هذا الكتاب المنبه لكل إنسان على ما نقص من أمور
صفحة ٣
دينه فمن أراد من الإخوان أن يعرف ما ذهب من دينه فلينظر في كل عهد ذكرته له في هذا الكتاب ويتأمل في نفسه يعرف يقينا ما أخل به من أحكام دينه فيأخذ في التدارك أو الندم والاستغفار إن لم يمكن تداركه ثم لا يخفى عليك يا أخي أن مجموع أحكام الشريعة ترجع إلى ثلاثة أمور: أمر ونهي ومرغوب فيه لم يصرح الشارع فيه بأمر ولا نهي وإنما رغب في فعله بالثواب أو رهب من تركه بفوات الثواب كالوضوء على الوضوء فإن الترغيب في فعل شئ مؤذن بالرضا عن فاعله كما أن الترهيب من فعل شئ مؤذن بعدم الرضا عن فاعله وإن كان ذلك لم يلحق بدرجة الأمر والنهي الصريحين وعبارة الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى اعلم أن كل فعل مدح في نفسه أو مدح فاعله من أجله أو وعد عليه بخير عاجل أو آجل فهو مأمور به لكنه متردد بين الإيجاب والندب اه.
وقد قسمت الكتاب على قسمين:
القسم الأول في بيان ما أخل به الناس من المأمورات.
القسم الثاني في بيان ما أخل به الناس من اجتناب المنهيات وإنما بدأت في أول الكتاب بقسم المأمورات وأخرت المنهيات وإن كان الواقعون في المنهيات أكثر عملا بالأصل من حيث أن الطاعات أصليه والمعاصي عارضه وأن كل مؤمن يود أن يطيع الله تعالى ولا يعصي أمره أبدا ولكن الله تعالى في تقديره المعاصي على عبده حكم وأسرار لا تخفى على من في قلبه نور ثم اعلم يا أخي أن طريق العمل بالكتاب والسنة قد توعرت في هذا الزمان وعز سالكها لأمور عرضت في الطريق يطول شرحها حتى صار الإنسان يرى الأخلاق المحمدية فلا يقدر على الوصول إلى التخلق بشئ منها فلذلك كنت أقول في غالب عهود الكتاب وهذا العهد يحتاج من يعمل به إلى شيخ يسلك به الطريق ويزيل من طريقه الموانع التي تمنعه عن الوصول إلى التخلق به أو نحو ذلك من العبارات إشارة إلى أنه لا يلزم من معرفة الفقيه بالأحكام الوصول إلى العمل بها بل يحتاج مع ذلك إلى شيخ يريه معالم الطريق كما وقع للإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره وإنما شيدت كل عهد منه بالأحاديث الشريفة إعلاما لك يا أخي بأن عهود الكتاب مأخوذة من الكتاب السنة نصا واستنباطا لئلا يطعن طاعن فيها وسد الباب الدس من الحسدة في هذا الكتاب
صفحة ٤
كما وقع لي ذلك في كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود الذي جمعت فيه عهود المشايخ التي أخذوها علي فإن بعض الحسدة لما رأى إقبال الناس على تلك العهود وعرف عجزه عن الوفاء بها مع ادعائه المشيخة عمل حيلة واستعار من بعض المغفلين من أصحابي نسخة وأوهمه شدة الاعتقاد في جنابي وكتب منها عدة عهود ودس فيها أمورا مخالفه لظاهر الكتاب والسنة وأشاعها عني في مصر فحصل بذلك فتنة عظيمة في الجامع الأزهر وغيره وانتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني والشيخ شهاب الدين الرملي وجماعة وأجابوا عني بتقدير صحة ذلك مني وما سكنت الفتنة حتى أرسلت للعلماء نسختي التي عليها خطوطهم ففتشوها فلم يجدوا فيها شيئا مما دسه الحسدة وأشاعوه عني ومن تلك الواقعة ما ألفت كتابا إلا وتعرضت فيه لما دسته الحسدة في كتبي وتبرأت فيه من كل شئ يخالف الكتاب والسنة طلبا لإزالة ما في نفوس بعض الناس لئلا يحصل لهم الإثم بذلك فهذا كان سبب تشييدي لعهود هذا الكتاب بالأحاديث والآثار فإن الحاسد لو دس فيه شيئا يخالف الأحاديث التي أذكرها لا يروج له أثر عند الناس وكيف يستدل مؤلف لكلامه بالأحاديث التي يخالفه منطوقها أو مفهومها هذا أمر بعيد فالله يحفظ هذا الكتاب من مثل ذلك إنه سميع مجيب.
واعلم يا أخي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان هو الشيخ الحقيقي لأمة الإجابة كلها ساغ لنا أن نقول في تراجم عهود الكتاب كلها أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني معشر جميع الأمة المحمدية فإنه صلى الله عليه وسلم إذا خاطب الصحابة بأمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب انسحب حكم ذلك على جميع أمته إلى يوم القيامة فهو الشيخ الحقيقي لنا بواسطة أشياخ الطريق أو بلا واسطة مثل من صار من الأولياء يجتمع به صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالشروط المعروفة عند القوم وقد أدركت بحمد الله تعالى جماعة من أهل هذا المقام كسيدي علي الخواص والشيخ محمد العدل والشيخ جلال الدين السيوطي وإضرابهم رضي الله عنهم أجمعين ثم لا يخفى عليك يا أخي أن من شأن أهل الله عز وجل كونهم يأخذون العهد على المريد بتركه المباح زيادة على الأمر والنهي طلب الترقية إذ المباح لا ترقي فيه من حيث ذاته وإنما هو أمر برزخي بين الأمر والنهي جعله الله تعالى مرتبة تنفيس للمكلفين يتنفسون به من مشقة التكليف إذ الإقبال على الله تعالى في امتثال الأمر واجتناب النهي على الدوام ليس من مقدور البشر فأراد أهل الله تعالى للمريد أن يقلل من المباح جهده ويجعل موضعه
صفحة ٥
فعل مأمور واجتناب منهي أو مرغب في فعله أو تركه لأخذهم بالعزائم دون الترخيصات فترى أحدهم يفعل المندوب مع شدة الاعتناء به كأنه واجب ويجتنب المكروه كأنه حرام ويترك المباح كأنه مكروه ويفعل الأولى كأنه مستحب ويستغفر من فعل المكروه كأنه حرام ويتوب من فعل خلاف الأولى كأنه مكروه ويتوب من ترك المندوب كأنه واجب ومن القوم من يقلب المباح بالنية الصالحة إلى خير فيثاب عليه ثواب المندوب كأن ينوي بأكله التقوي على عبادة الله تعالى أو بنومه في النهار التقوي على قيام الليل عند من لم يصح عنده حديث استعينوا بالنوم في القيلولة على قيام الليل أما من صح عنده هذا الحديث فهو مستحب أصالة لا جعلا، وقد كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي يسمي النوم وردا ويقول لا أحد يوقظني من ورد النوم حتى أستيقظ بنفسي فعلم أن أهل الله تعالى من شأنهم أن لا يوجدوا إلا في فعل واجب وما ألحق به من المندوب والأولى أو في اجتناب منهي وما ألحق به من المكروه وخلاف الأولى فإياك يا أخي أن تبادر إلى الإنكار عليهم إذا رأيت أحد منهم يأخذ العهد على مريد بتركه المباح وتقول كيف يأخذ العهد على مريده بترك المباح مع أن الشارع أباحه له فإنك في واد وأهل الله في واد وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعض أهله عن فعل المباح فنهى فاطمة رضي الله عنها عن لبس الحرير والذهب مع أنه صلى الله عليه وسلم أباحهما لإناث أمته وقال:
يا فاطمة من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ونهى صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الأكل في يوم واحد مرتين وقال لها:
أكلتان في النهار إسراف والله لا يحب المسرفين مع أنه صلى الله عليه وسلم أباح لأمته أن يجمعوا كل يوم بين الغداء والعشاء بل هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم رحمة بالضعفاء من أمته وقد عمل القوم على نحو ذلك مع المريدين الصادقين فاخذوا المريد بتناوله الشهوات المباحة وبوضعه جنبه إلى الأرض من غير ضرورة وبالأكل من غير جوع وبالنسيان وبالاحتلام، وكذلك آخذوه بمد رجله في ليل أو نهار إلا لضرورة إلى غير ذلك ولهم في ذلك أدلة يستندون إليها
صفحة ٦
فأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بأكل الشهوات المباحة فهو كون الحق تعالى نعى أهل النار بأكلهم الشهوات بقوله تعالى * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون * ( وقالوا ما نعاه الله تعالى عن أهل النار وجزاهم عليه بالعذاب فالمؤمن أولى أن يتركه. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في قوله تعالى * (فسوف يلقون غيا هو واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود حذر وأنذر قومك من أكل الشهوات فإن قلوب أهل الشهوات عني محجوبة اه. والنوم كذلك بجامع الغفلة والحجاب عن الله تعالى إلا لضرورة وأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالنسيان فإنه لا يصح وقوعه من المريد إلا بعد تعاطيه مقدمات ذلك الأمر الذي نسيه من الغفلة والتهاون به بدليل ما قاله علماؤنا فيمن نسي الماء في رحله أو أضله فيه فلم يجده بعد الطلب فتيمم وصلى أنه يقضي ما صلاه بالتيمم نسبوه إلى التقصير في نسيانه وإضلاله وقالوا لو صلى بنجس لم يعلمه وجب القضاء في الجديد وإن علم به ثم نسي وجب القضاء على المذهب والنظائر كثيرة.
وكان الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه يقول إنما آخذ القوم المريد بالنسيان لأن مبنى طريقهم على الحضور الدائم مع الله عز وجل والنسيان عندهم نادر والنادر لا حكم له مع أن القاعدة الشرعية رفع حكم النسيان إلا ما استثني كتدارك ما نسيه من الصلاة وضمان ما أكله من طعام الغير بغير إذنه ناسيا ونحو ذلك ثم ليتأمل ذلك الناسي في نفسه في شدة اعتنائها بتحصيل أمر الدنيا وعدم وقوعه في نسيانه كما إذا وعده شخص بألف دينار يعطيها له في الوقت الفلان كيف يصير يتذكر ذلك لحظة بعد لحظة حتى يأتي وقته حرصا على سحت الدنيا فأراد أهل الله تعالى من المريد أن يقلب تلك الداعية التي عنده للدنيا ويجعلها لأمور الآخرة ليفوز بمجالسة الله تعالى في الدارين وأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالاحتلام فلأنه لم يقع منه إلا بعد مقدمات التساهل بالنظر إلى ما لا يحل غالبا أو التفكير فيه فلما عجز عن الوصول إليه حال النظر والتفكر
صفحة ٧
أتاه إبليس في المنام ليسخر به فإن من لا يطلق بصره إلى محرم ولا يتفكر فيه لا يحتلم أبدا ولذلك لم يقع الاحتلام إلا من المريدين والعوام دون الأكابر فإن الأكابر إما معصومون كالأنبياء أو محفوظون كالأولياء ثم إن وقع أن أحدا من أكابر الأولياء احتلم فإنما يكون ذلك في حليلته من زوجه أو جاريه لا فيما لا يحل له وسببه غفلته عن تدبير جسده لما هو عليه من الاشتغال بالله عز وجل أو أمر المسلمين كما بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتلم في جاريته وقال: قد ابتلينا بهذا الأمر منذ اشتغلنا بأمر المسلمين.
وأما دليلهم في مؤاخذة المريد بمد رجله من غير ضرورة في ليل أو نهار فهو علمهم بأن المريد بين يدي الله عز وجل على الدوام شعر بذلك أم لم يشعر فأرادوا منه أن يواظب على ترك مد رجله بحكم الإيمان على أنه بين يدي الله حتى ينكشف حجابه ويشهد الأمر يقينا وشهودا وهناك يرى ضربه بالسيف أهون عليه من مد رجله لغير حاجه بل لو خير بين مد رجله ودخول النار لاختار دخول النار وقد بلغنا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه قال: مددت رجلي بالليل وأنا جالس أقرأ وردي وإذا بهاتف يقول يا إبراهيم ما هكذا ينبغي مجالسة الملوك. قالوا فما مد إبراهيم رجله حتى مات بعد عشرين سنه. فعلم من مجموع ما قررناه من باب أولى أن أهل الله عز وجل لا يسامحون المريد بارتكابه شيئا من المكروهات فضلا عن المحرمات الظاهرة أو الباطنة وأن طريقهم محررة على موافقة الكتاب والسنة كتحرير الذهب بخلاف ما يظنه من لا علم له بطريقهم وقد أجمع أهل الله تعالى على أنه لا يصح دخول حضرة الله تعالى في صلاة وغيرها إلا لمن تطهر من سائر الصفات المذمومة ظاهرا أو باطنا بدليل عدم صحة الصلاة لمن صلى وفي ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفو عنها أو ترك لمعه من أعضائه بغير طهارة ومن لم يتطهر كذلك فصلاته صورة لا روح فيها لا حقيقية كما أن من احتجب عن شهود الحق تعالى بقلبه في لحظة من صلاته بطلت صلاته عند القوم كذلك وقد نبه الشارع صلى الله عليه وسلم باشتراط الطهارة الظاهرة على اشتراط الطهارة الباطنة فأراد أهل الله تعالى من المريد أن يطابق في الطهارة بين باطنه وظاهره ليخرج من صفة النفاق ف إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
صفحة ٨
وفي حديث مسلم مرفوعا أن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وكذلك أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان له شيخا يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله تعالى بقلبه لتصح صلاته من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولا شك أن علاج الأمراض الباطنية من حب الدنيا والكبر والعجب والرياء والحسد والحقد والغل والنفاق ونحوها كله واجب كما تشهد له الأحاديث الواردة في تحريم هذه الأمور والتوعد بالعقاب عليها فاعلم أن لك من لم يتخذ له شيخا يرشده إلى الخروج من هذه الصفات فهو عاص لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يهتدي لطريق العلاج بغير شيخ ولو حفظ ألف كتاب في العلم فهو كمن يحفظ كتابا في الطب ولا يعرف ينزل الدواء على الداء فكل من سمعه وهو يدرس في الكتاب يقول أنه طبيب عظيم ومن رآه حين يسأل عن اسم المرض وكيفية إزالته قال إنه جاهل فاتخذ لك يا أخي شيخا واقبل نصحي وإياك أن تقول طريق الصوفية لم يأت بها كتاب ولا سنه فإنه كفر فإنها كلها أخلاق محمدية سداها ولحمتها منها واعلم أن كل من رزقه الله تعالى السلامة من الأمراض الباطنية كالسلف الصالح والأئمة المجتهدين فلا يحتاج إلى شيخ بل الإنسان على نفسه بصيرة فأمعن يا أخي النظر في هذه الخطبة والكتاب واعمل به فإنك إن شاء الله لا تضل ولا تشقى والحمد لله رب العالمين ولنشرع بعون الله تعالى في مقصود الكتاب فنقول وبالله التوفيق.
صفحة ٩
القسم الأول من الكتاب وهو قسم المأمورات.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرجو من فضل ربنا الوفاء وأن نخلص النية لله تعالى في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا، ونخلص سائر الشوائب، حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا ثوابا على ذلك، وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل، وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل، ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك طريق القوم على يد شيخ صادق متبحر في علوم الشريعة بحيث يقرر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها، ويعرف أدلتها ومنازع أقوالها ويقف على أم الكتاب التي يتفرع منها كل قول فيشتغل من يريد الإخلاص في أعماله بذكر الله عز وجل، حتى ترق حجب بشريته ويدخل حضرة الإنسان التي يعبد الله تعالى فيها كأنه يراه، وهناك يشهد العمل كله خلقا لله عز وجل ليس للعبد فيه مدخل إلا كونه محلا لبروز ذلك العمل لا غير، لأن الأعمال أعراض، والأعراض لا تظهر إلا في الجسم، وهناك يذهب من العبد الرياء والكبر والعجب وسائر الآفات لأن هذه الآفات إنما تجئ للعبد من شهود كونه فاعلا لذلك العمل مع غفلته عن شهود الخلق له، ومعلوم أنه لا يصح الرياء والتكبر والعجب من العبد بعمل غيره أبدا، وما رأينا أحدا نام إلى الصباح وأصبح يرائي أو يعجب أو يتكبر بفعل جاره القائم طول الليل أبدا فعلم أن من لم يصل إلى دخول حضرة الإحسان ويشهد أعماله كلها خلقا لله تعالى كشفا ويقينا لا ظنا ولا تخمينا فهو معرض للوقوع في الرياء ولو حفظ ألفي كتاب. فاطلب يا أخي شيخا صادقا إن طلبت الترقي إلى مقام الإخلاص، ولا تسأم من طول طلبك له، فإنه أعز من الكبريت الأحمر، فإنه من أقل شروطه التورع عن أموال الولاة، وأن لا يكون له معلوم في بيت المال ولا مسموح ولا هدية من كشف ولا شيخ عرب ولا شيخ بلد بل يرزقه الله تعالى من حيث لا يحتسب، ويستخلص له الحلال الصرف من بين فرث الحرام، ودم الشبهات، وإلا فقد أجمع أشياخ الطريق كلهم على أن من أكل الحرام والشبهات لا يصح له إخلاص في عمل، لأنه لا يخلص إلا إن دخل في حضرة الإحسان، ولا يدخل حضرة الإحسان إلا المطهر من سائر النجاسات الباطنة
صفحة ١٠
والظاهرة، لأن مجموع أهل هذه الحضرة أنبياء وملائكة وأولياء، وهؤلاء من شروطهم العصمة والحفظ من تناول الحرام والشبهات، فكل شيخ لم يصح له الحفظ في نفسه فهو عاجز عن توصيل غيره إلى تلك الحضرة، اللهم إلا أن يمن الله تعالى على بعض المريدين بالجذب دون السلوك المعهود فذلك لا مانع منه، فعلم أنه يجب على كل طالب علم لم يصل إلى الإخلاص أن يتخذ له شيخا يعلمه طريق الوصول إلى درجة الإخلاص، من باب: ما لا يتم الواجب فهو واجب قال تعالى:
* (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) *.
أي يقيموا الصلاة من العوج كالغفلة عن الله تعالى فيها، ويؤتوا الزكاة يعني بلا علة ثواب ولا خوف عقاب بل امتثالا لأمر الله تعالى كالوكيل في مال موكله.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من أقل درجات الإخلاص أن يكون في أعماله كالدابة المحملة، فهي تعبانة من ثقل أحمالها منكسة الرأس لا تعلم بنفاسة ما هي حاملته ولا بخسته ولا تعلم هو لمن، ولا إلى أين ينتهي حملها؟ ولا ترى لها بذلك فضلا على غيرها من الدواب، ولا تطلب على حملها أجرا.
وسمعته يقول: إذا راءى العبد بعلمه وعمله حبط عمله بنص الكتاب والسنة، وإذا حبط عمله فكأنه لم يعمل شيئا قط فكيف يرى نفسه بذلك على الناس مع توعده بعد الإحباط بالعذاب الأليم، فلينتبه طالب العلم لمثل ذلك.
قلت: وكذلك ينبغي للفقير المنقطع في كهف أو زاوية أن يتفقد نفسه في دعواها الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى، فإن رآها تستوحش من ترك تودد الناس إليها وغفلتهم عنها فهو كاذب في دعواه الانقطاع إلى الله تعالى، فإن الصادق يفرح إذا غفل عنه الناس ونسوه فلم يفتقدوه بهدية ولا سلام، ويفرح إذا انقلب أصحابه كلهم عنه واجتمعوا بشيخ آخر مرشد، كما بسطنا الكلام على ذلك في كتاب [عهود المشايخ]. والله أعلم.
مما رواه الأئمة في الإخلاص مرفوعا قوله صلى الله عليه وسلم:
من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة. فارقها والله عنه راض.
رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.
صفحة ١١
وروى البيهقي مرسلا:
أن رجلا قال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: الإخلاص، قال: فما اليقين؟
قال: الصدق.
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد:
أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله أوصني، قال: أخلص نيتك يكفك العمل القليل.
وروى البيهقي مرفوعا:
طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء. [في جميع النسخ " عظماء "، وإنما تم ضبطه هنا " ظلماء " كما ورد في الجامع الصغير في الحديث رقم 5289، وحيث ذكر الشيخ محمود الرنكوسي في درسه أثناء قراءة الكتاب في دار الحديث بدمشق: " المحفوظ ظلماء ".] وروى البيهقي والبزار مرفوعا:
إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خير شريك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو لشريكي وأنا برئ يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله منها شئ.
وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد مرفوعا:
إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه.
وروى الطبراني مرفوعا:
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله.
وروى البيهقي مرفوعا عن عبادة بن الصامت قال:
يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله عز وجل فيمتازوا ويرمي ما عداه في النار.
قال الحافظ المنذري: وقد يقال إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع.
وروى الحافظ ورزين العبدري مرفوعا مرسلا:
من أخلص لله تعالى أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
صفحة ١٢
قال الحافظ المنذري ولم أقف لهذا الحديث على إسناد صحيح ولا حسن، ولا على ذكره في شئ من الأصول التي جمعها رزين. والله أعلم.
[وقال الأستاذ المحدث الشيخ محمود الرنكوسي أثناء قراءة هذا الكتاب أن كلام المنذري لا يعني أن غيره لم يقف على ذلك.
وفيما يلي بيان ذلك، وأن الحديث ضعيف يعمل به في فضائل الأعمال:
الحديث 8361 من الجامع الصغير: من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب.
تصحيح السيوطي: ضعيف الحديث 5271 من كنز العمال: من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب. وهذا غير رواية: " من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه "، أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما سيأتي.
قال في الحديث 6193 في كنز العمال: من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه.
(عد) عن أبي موسى. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال الذهبي في الميزان باطل وقال في كشف الخفاء تحت رقم 2361:
من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن أبي أيوب.
وقال في اللآلئ: رواه أحمد وغيره عن مكحول مرسلا بلفظ من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، وروى مسندا من حديث ابن عطية عن ثابت عن أنس بسند فيه يوسف ضعيف لا يحتج به انتهى.
ورواه القضاعي عن ابن عباس مرفوعا قال كأنه يريد بذلك من يحضر العشاء والفجر في جماعة قال ومن حضرها أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتب الله له براءتين براءة من النار وبراءة من النفاق.
ورواه أبو الشيخ في ثواب عن أنس بلفظ: من أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين صباحا كتب الله له الحديث.
وروى ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي موسى رفعه: ما من عبد يخلص لله أربعين يوما الحديث. والمشهور على الألسنة صباحا بدل يوما. وأورده الصغاني بلفظ: من أخلص لله أربعين صباحا نور الله تعالى قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وقال أنه موضوع.
انتهى ما في كشف الخفاء.
دار الحديث] وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا:
قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليما ولسانه صادقا ونفسه مطمئنة وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة.
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا:
" " إنما الأعمال بالنية " " وفي رواية: " " بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ".
وروى ابن ماجة بإسناد حسن مرفوعا:
" " إنما يبعث الناس على نياتهم " " وفي رواية: " " إنما يحشر الناس على نياتهم " ".
وروى مسلم مرفوعا:
إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
روى الطبراني والبيهقي مرفوعا:
إذا كان آخر الزمن صارت أمتي ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصا، وفرقة يعبدون الله رياء، وفرقة يعبدون الله تعالى ليستأكلوا به الناس، فيقول الله عز وجل للمخلصين اذهبوا بهم إلى الجنة، ويقول للآخرين امضوا بهم إلى النار.
وروى الحافظ أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: من رأى نفسه من المخلصين كان من المرائين، ومن رأى نفسه من المرائين كان من المخلصين.
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة وسيأتي في أوائل قسم المنهيات نبذة صالحة عما جاء في الرياء وعدم الإخلاص في العمل والعلم فراجعه. والله أعلم.
صفحة ١٣
قلت: فقد بان لك أن من لم يخلص في عمله وعلمه فهو من الأخسرين أعمالا، ويشهد لذلك أيضا قرائن الأحوال التي جاءت بها الأحاديث في سياقها، وجميع ما ورد في فضل العلم والعمل إنما هو في حق المخلصين فيه. فإياك يا أخي والغلط فإن الناقد بصير، وقد كثر في هذا الزمان أقوام لا يعملون بعلمهم، وإذا نازعهم إنسان في دعواهم في قولهم نحن من أهل العلم استدلوا بما جاء في فضل طلب العلم مطلقه من غير شرط إخلاص، فيقال لمثل هؤلاء فأين الآيات والأخبار والآثار الواردة في حق من لم يعمل بعلمه ولم يخلص؟
فلا تغالط يا أخي وتدعي الإخلاص في علمك وعملك من غير تفتيش فإنه غش.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى حديث " إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ":
هذا الرجل يتعلم العلم رياء وسمعة فيعلم الناس أمور دينهم ويفقههم ويحرسهم وينصر الدين إذا ضعف جانبه، ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك النار لعدم إخلاصه.
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتبع السنة المحمدية في جميع أقوالنا وأفعالنا وعقائدنا، فإن لم نعرف لذلك الأمر دليلا من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس توقفنا عن العمل به، ثم ننظر فإن كان ذلك الأمر قد استحسنه بعض العلماء استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ثم فعلناه أدبا مع ذلك العالم، وذلك كله خوف الابتداع في الشريعة المطهرة فنكون من جملة الأئمة المضلين، وقد شاورته صلى الله عليه وسلم في قول بعضهم: إنه ينبغي أن يقول المصلي في سجود السهو: سبحان من لا ينام ولا يسهو، فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن ، ثم لا يخفي أن الاستئذان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بحسب المقام الذي فيه العبد حال إرادته الفعل، فإن كان من أهل الاجتماع به صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة كما هو مقام أهل الكشف استأذنه كذلك وإلا استأذنه بالقلب وانتظر ما يحدثه الله تعالى في قلبه من استحسان الفعل أو الترك.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ليس مراد الأكابر من حثهم على العمل على موافقة الكتاب والسنة إلا مجالسة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر لا غير فإنهم يعلمون أن الحق تعالى لا يجالسهم إلا في عمل شرعه هو ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما ما ابتدع فلا يجالسهم الحق تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فيه أبدا وإنما يجالسون فيه من ابتدعه من عالم أو جاهل، فعلم أنه ليس قصد أهل الله تعالى بعبادتهم
صفحة ١٤
حصول ثواب ولا غيره في الآخرة، لأنهم في الدارين عبيد والعبد لا يملك شيئا مع سيده في الدنيا والآخرة إنما يأكل ويلبس ويتمتع بمال سيده وسداه ولحمته من نعمته، ولو أن الحق تعالى أعطاه شيئا لوجب عليه التبري به إلى ربه، ولا يجوز له أن يشهد ملكه له طرفة عين، فلهذا المشهد خرجوا في جميع عباداتهم عن العلل النفسية فرضوا عن ربهم رضا مطلقا ورضي عنهم رضا مطلقا:
* (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * واعلم يا أخي أن من تحقق بالعمل بهذا العهد صار من رؤوس أهل السنة والجماعة في عصره، ومن لم يلقبه بذلك فقد ظلمه، ولا أعلم الآن أحدا في مصر تحقق بالعمل بهذا العهد وتقيد في أقواله وأفعاله وعقائده بالكتاب والسنة إلا بعض أفراد من العلماء، كالشيخ عبد الرحمن التاجوري المغربي وأضرابه رضي الله عنهم أجمعين.
قلت: وقد من الله تعالى علي بالعمل به في بعض أقوالي وأفعالي، فكذب والله وافترى من نسبني إلى البدعة المخالفة لجمهور أهل السنة والجماعة، فإن هذا ما هو نفس مبتدع، اللهم إلا أن يريد الابتداع في شئ من المباحات في الشريعة بحكم العمومات فهذا لا يحرج عليه في ذلك، لأن هذا الأمر قل من سلم منه من العلماء فضلا عن غيرهم كما هو مشاهد، فاعلم ذلك واحم سمعك وبصرك في حق العلماء، ولا تصغ إلى قول حاسد لهم قط إلا إن اجتمعت بأحدهم وفاوضته في الكلام في تلك البدعة، فإذا رأيته متخلقا بها وعرفته بأنها بدعة وصمم على العمل بها فهناك حذر الناس منه شفقة عليه وعلى المسلمين، حتى لا يقع أحد منهم في إثم لا المبتدع ولا من تبعه، وإياك أن تحذر من اتباع أحد من العلماء بقول أحد من حسادهم من غير اجتماع به فربما يكون بريئا مما نسب إليه، فيكون عليك إثم قاطع الطريق على المريدين لاتباع الشريعة، فإنك حينئذ تحذر من اتباع السنة المحمدية، وهذا واقع كثيرا في الأقران في هذا الزمان، فترى كل واحد يحذر الناس عن الآخر وكل منهما يزعم أنه من أهل الطريق السنة والجماعة، فيختل الأمر إلى عدم الاقتداء بواحد منهما، فالله يحمينا وأصحابنا من مثل ذلك بمنه وكرمه آمين.
وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: لا تكمل عبادة فقير حتى يصير يشاهد الشرع في كل عبادة عملها، يعني يعملها بحضرته على الكشف والمشاهدة، لا على الإيمان والحجاب، ثم قال: فإن قال قائل ما دليلك على ذلك؟ قلنا له قد رأيت النبي
صفحة ١٥
صلى الله عليه وسلم في واقعة من الوقائع فقلت له يا رسول الله ما حقيقة متابعتك في العمل على موافقة شريعتك، فقال: هي أن تعمل العمل مع شهودك للشرع حال العمل وبعد العمل.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى الإحاطة بأدلة جميع المذاهب المستعملة والمندرسة وأقوال علمائها حتى لا يكاد يخفى عليه دليل من أدلتهم ولا قول من أقوالهم في مأمور به أو منهي عنه أو مباح، ثم بعد ذلك لا بد له من شيخ صالح يسلم إليه نفسه يتصرف فيها بالرياضات والمجاهدات حتى يزيل عنه سائر الصفات المذمومة ويحليه بالصفات المحمودة ليصلح لمجالسة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن غالب الناس قد ادعوا مجالسة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع تلطخهم بالقاذورات المانعة من دخول حضرة الله وحضرة رسوله فازدادوا مقتا وطردا. فاعمل يا أخي على جلاء مرآة قلبك من الصدأ والغبار، وعلى تطهرك من سائر الرذائل حتى لا يبقى فيك خصلة واحدة تمنعك من دخول حضرة الله تعالى، أو حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أكثرت من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم فربما تصل إلى مقام مشاهدته صلى الله عليه وسلم، وهي طريق الشيخ نور الدين الشوني، والشيخ أحمد الزواوي، والشيخ محمد بن داود المنزلاوي، وجماعة من مشايخ اليمن، فلا يزال أحدهم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر منها حتى يتطهر من كل الذنوب، ويصير يجتمع به يقظة أي وقت شاء ومشافهة، ومن لم يحصل له هذا الاجتماع فهو إلى الآن لم يكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإكثار مطلوب ليحصل له هذا المقام.
وأخبرني الشيخ أحمد الزواوي أنه لم يحصل له الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة حتى واظب الصلاة عليه سنة كاملة يصلي كل يوم وليلة خمسين ألف مرة، وكذلك أخبرني الشيخ نور الدين الشوني أنه واظب على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا سنة كل يوم يصلي ثلاثين ألف صلاة.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يكمل عبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقت شاء، قال: وممن بلغنا أنه كان يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة من السلف، الشيخ أبو مدين شيخ الجماعة، والشيخ عبد الرحيم القناوي، والشيخ موسى الزولي، والشيخ أبو الحسن الشاذلي،
صفحة ١٦
والشيخ أبو العباس المرسي، والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر، وسيدي إبراهيم المتبولي، والشيخ جلال الدين الأسيوطي، كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به نيفا وسبعين مرة.
وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه به لأنه كان في أحواله كلها ويقول: ليس لي شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الشيخ أبو العباس المرسي يقول: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ما عددت نفسي من جملة المؤمنين.
واعلم أن مقام مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزة جدا، وقد جاء شخص إلى سيدي علي المرصفي وأنا حاضر فقال: يا سيدي قد وصلت إلى مقام صرت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة أي وقت شئت، فقال له: يا ولدي بين العبد وبين هذا المقام مائتا ألف مقام، وسبعة وأربعون ألف مقام، ومرادنا تتكلم لنا يا ولدي على عشر مقامات منها، فما درى ذلك المدعي ما يقول وافتضح فاعلم ذلك. * (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * ولنشرع في بيان جملة من الأحاديث الحاثة على اتباع الكتاب والسنة فنقول وبالله التوفيق:
روى أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، قال المنذري: وهذا حديث حسن صحيح عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله والعمل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ومعنى " " عضوا عليها بالنواجذ " " أي اجتهدوا على وجه البدعة، والزموا السنة واحرصوا
صفحة ١٧
عليها، كما يلزم العاض على الشئ بنواجذه خوفا من ذهابه وتفلته، والنواجذ: هي الأنياب وقيل هي الأضراس.
وروى ابن أبي الدنيا والحاكم وقالا صحيح الإسناد مرفوعا:
من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة. قالوا: " " يا رسول الله إن هذا اليوم في أمتك كثير؟ " " قال: وسيكون في قوم بعدي. يعني قلائل.
وروى البيهقي مرفوعا: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد.
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين مرفوعا:
الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة.
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وروى ابن ماجة وابن حبان في صحيحيهما عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: " " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط فبايعناه وإنه لمطلق الأزرار " ". قال عروة بن عبد الله فما رأيت معاوية ولا ابنه قط في شتاء أو صيف إلا مطلق الأزرار، وفي رواية إلا مطلقة أزرارهما.
وروى ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي عن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي محلولة أزراره، فسألته عن ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وروى الإمام أحمد والبزار عن مجاهد وغيره قال: كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه، فسئل لم فعلت ذلك فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ففعلته. وقوله حاد: أي تنحى عنه وأخذ يمينا أو شمالا.
وروى البزار عن ابن عمر أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن النبي كان يفعل مثل ذلك.
وروى الإمام أحمد وغيره أن ابن عمر أناخ راحلته في مكان فقضى حاجته، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في ذلك المكان، وقال أحببت أن أقضي حاجتي في موضع قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته.
صفحة ١٨
قلت: وإنما تبع ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لأن الكمل يستحيون من الأرض إذا قضوا عليها الحاجة خوفا أن تكون تلك البقعة مشرفة لا تصلح لقضاء الحاجة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قال في نفسه لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن تلك البقعة تصلح لذلك ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
قال الحافظ: والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له واقتفائهم سننه كثيرة جدا. والله أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكون في أعمال الخير من أهل الرعيل الأول فنبدأ بفعل الخير قبل الناس مسارعة للخير ويستن بنا الناس، وذلك كما إذا رأينا إنسانا يسأل الناس ولا أحد يعطيه شئ فنعطيه أمام الناس تحريضا لهم على العطاء ولا نعطيه سرا، وكذلك نحرص على أن نقوم من الليل من أول ما يقع التجلي:
" " وينادي الحق تعالى هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من مستغفر فأغفر له، هل من مبتلى فأعافيه " ".
إلى آخر ما ورد في ذلك من أول الثلث الأخير من الليل في أغلب التجليات التي كان صلى الله عليه وسلم يتهجد وقتها، كما أشار إليه قوله تعالى:
* (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) *.
وذلك ليتأسى بنا إخواننا وجيراننا، فربما قام أحدهم يتهجد حين يرانا فيكتب لنا وله الأجر.
ومن هذا الباب أيضا إظهار التصبر على البلايا والمحن في هذا الزمان ليتأسى الناس بنا في الصبر وعدم التسخط، فإن رأينا الصبر بلغ حده أظهرنا الضعف حتى يرتفع كما وقع لأيوب عليه السلام، فعلم أنه ينبغي لكل عامل أن يستر عمله ما استطاع إلا في محل يقتدي به في فعله وفي كيفيته. والله أعلم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله عنه يقول: لا ينبغي إظهار الأعمال إلا للأكابر من العلماء والصالحين الغواصين على دسائس النفوس، وأما أمثالنا فربما يظهر الواحد منا أعماله رياء وسمعة وتلبس عليه نفسه وتقول له أنت بحمد الله من المخلصين، وإنما تظهر هذه العبادة ليقتدي بك الناس فينبغي لمثل هذا أن يمتحن نفسه بما لو جاء أحد يفعل ذلك الخير وتنقاد الناس له مثله أو أكثر منه، فإن انشرح لذلك فهو مخلص، وإن انقبض خاطره
صفحة ١٩
فهو مراء دق المطرقة، ولو أنه كان مخلصا لفرح بذلك أشد الفرح الذي قيض الله تعالى له من كفاه المؤونة [أي كفاه مشقة تعليم هؤلاء]، ثم إن قالت له نفسه إنما تشوشت لفوات الخير العظيم الذي كان يحصل لك من حيث هو خير فليقل لها إني معتمد على فضل الله لا على الأعمال، فإن دخلت الجنة فإنما هو برحمة الله تعالى لا بعملي، فينبغي للعبد أن لا يصغي لدعوى نفسه في الإخلاص وليمتحن الشيخ أو المدرس نفسه بما إذا فرت جماعته كلهم منه إلى شخص من أقرانه وبقي وحده لا يجد أحدا يتمشيخ عليه، فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن حصل في نفسه حزازة فالواجب عليه أن يتخذ له شيخا يخرجه من ظلمات الرياء وإلا مات عاصيا وذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الخير، لأن الله تعالى لم يقبل له عملا.
وسمعته أيضا يقول: ينبغي للعامل إذا درس في مثل جامع الأزهر أن يحرر نيته قبل ذلك، ولو مكث سنين بلا إقراء حتى يجد له نية صالحة وذلك لغلبة دخول الأكابر الذين تميل النفوس إلى مراءاتهم من الأمراء والأغنياء إلى الجامع، وكان النووي إذا درس في المدرسة الأشرفية بدمشق يوصي الطلبة أن لا يجيئوا دفعة واحدة خوفا من كبر الحلقة.
وكان إذا درس جلس في عطفة المسجد ويقول: إن النفس تستحلي رؤية الناس لها وهي تدرس في صحن المسجد أو صدره.
وبلغه يوما وهو يدرس في جامع بني أمية أن الملك الظاهر عازم على الصلاة في الجامع فترك التدريس وحضور المسجد ذلك اليوم. فإياك يا أخي أن تعقد لك مجلس علم أو ذكر الله تعالى أو صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يراك الناس إلا أن تكون سالما من هذه العلل والآفات.
وقد حضرت مرة الشيخ العالم العامل شمس الدين اللقاني مفتي المالكية بالجامع الأزهر وهو يقول لشيخنا الشيخ نور الدين الشوني شيخ مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " والله يا أخي إني خائف عليك من تصدرك في الجامع في هذا المجلس ليلة الجمعة ويومها والأمراء والأكابر ينظرون إليك، ويعتقدونك على ذلك ويقولون شئ لله المدد، فربما مالت نفسك إلى حب فرحها بذلك فخسرت الدنيا والآخرة.
وسمعته مرة أخرى يقول: إذا فرغ الناس من صلاة الجمعة فاصبر على قراءة سورة الكهف حتى ينفض الناس، ثم اشرع في القراءة فإن النفس تستحلي رؤية الناس لها في ذلك المحفل العظيم.
صفحة ٢٠
فاعلم يا أخي ذلك واعمل به وبهدى هدى الصادقين اقتد والله يتولى هداك.
وروى مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه قوم من مضر مجتابي النمار، أي لابسي العباء الصوف المخطط، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال:
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * إلى قوله * (إن الله كان عليكم رقيبا) * والآية التي في الحشر * (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) *.
تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع تمر من صاع بر حتى قال ولو بشق تمرة " ".
قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت فتتابع الناس حتى صار كومين من طعام وثياب حتى تهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ " " الحديث.
وفي رواية للإمام أحمد والحاكم وابن ماجة وغيرهم مرفوعا:
" " من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شئ " " الحديث.
وفي رواية للطبراني مرفوعا:
" " من سن حسنة فله أجرها ما عمل بها عامل في حياته وبعد مماته حتى تترك " " الحديث.
وروى ابن ماجة والترمذي مرفوعا وقال حديث حسن:
" " من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شئ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شئ " ".
صفحة ٢١
ومعنى لا يرضاها الله ورسوله: أي لا يشهد لها كتاب ولا سنة بالصحة.
وروى ابن ماجة والترمذي وغيرهما مرفوعا:
" " إن لهذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ندمن مطالعة كتب العلم وتعليمه للناس ليلا ونهارا ما عدا العبادات المؤقتة والحوائج الضرورية.
ومذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه أن طلب العلم على وجه الإخلاص أفضل من صلاة النافلة. واعلم أن الشارع صلى الله عليه وسلم ما نوع العبادات المتفاضلة في الأجر إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم بحصول الملل للعاملين ولو في الأمور الواجبة، فإذا حصل الملل فيها انتقلوا إلى واجب آخر أو إلى ذلك الأمر المفضول، فإذا حصل الملل منه كذلك انتقلوا لمفضول آخر أو فاضل أو أفضل ما لم يجدوا في نفوسهم مللا فيه، فعلم أن سبب تنوع المأمورات إنما هو وجود الملل فيها إذا دامت، فلو تصور أن إنسانا لم يمل من الواجبات أو مما هو أفضل لأمره صلى الله عليه وسلم بملازمتها وترك الأمور المفضولة جملة، لأنه ما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترضه عليهم، ولكن لما كان يحصل لهم من الملل في الواجبات حتى لا يبقى في نفس العامل داعية ولا خشوع ولا لذة بتلك العبادات كان العمل المفضول الذي له فيه داعية ولذة وخشوع أتم وأكمل.
وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقسم الليل ثلاثة أجزاء، جزءا ينام فيه، وجزءا يطالع الحديث ويستنبط وجزءا يتهجد فيه. وكان يقول: " " لولا مذاكرة الإخوان في العلم والتهجد في الليل ما أحببت البقاء في هذه الدار " ". فعلم أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يكب على مطالعة العلم ليلا ونهارا إلا إذا صلحت النية فيه، ولم يقم أحد مقامه في بلده أو إقليمه فإن دخل بيته حب رياسة أو طلب دنيا أو قام أحد مقامه في نشر العلم فالاشتغال بكل ما صلحت فيه النية من الطاعات أولى، وسيأتي في العهود قريبا أن من جملة العمل بالعلم توبة العبد واستغفاره إذا وقع في معصية، فإنه لولا العلم ما عرف أنها معصية، ولا تاب منها فتأمل.
وقد قال داود الطائي رحمه الله تعالى: طالب العلم كالمحارب فإذا أفنى عمره في تعليم
صفحة ٢٢