صحيح المقال في مسألة شد الرحال
الناشر
الجامعة الإسلامية
رقم الإصدار
السنة الحادية عشرة-العدد الثالث
سنة النشر
ربيع الأول ١٣٩٩هـ/ ١٩٧٨م
مكان النشر
المدينة المنورة
تصانيف
تمنع ذَلِك الزائر من الْوُصُول إِلَى الْقَبْر أَو الْقُبُور الثَّلَاثَة وتذكر الْآخِرَة بهَا، بل إِن أرضية تِلْكَ الْقُبُور وَمَا حولهَا مبلطة مستوية، وَلَا يعلم أحد على وَجه الأَرْض كَيْفيَّة تِلْكَ الْقُبُور الْكَرِيمَة بِالنِّسْبَةِ لبعضها.
(انْظُر وَفَاء الْوَفَاء بأخبار دَار الْمُصْطَفى للسمنهودي) .
فَهَذِهِ الْأَشْيَاء فِي نَظرنَا تمنع من تحقق الْحِكْمَة الْمَقْصُودَة شرعا من زِيَارَة الْقُبُور.
أم أَن ذَلِك الزائر يُرِيد الْحِكْمَة الثَّانِيَة، وَهِي الدُّعَاء للأموات ... أيريد أَن يَدْعُو لرَسُول الله وعَلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغفرة وَالْعِتْق من النَّار؟.. الرَّسُول ﵇ لَيْسَ بحاجة إِلَى الدُّعَاء من أحد؛ إِذْ قد غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، وَقد تحققت لَهُ السَّعَادَة بِجَمِيعِ مَعَانِيهَا وأنواعها ﷺ. صَحِيح أَنه رغّب إِلَى أمته فِي أَن يسْأَلُوا الله لَهُ الْوَسِيلَة، وَكَذَلِكَ قد أَمر بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ، وَلَكِن ذَلِك لمصلحتنا نَحن لَا لمصلحته هُوَ، وَإِلَّا فدعاؤه لنَفسِهِ وَلغيره أَحْرَى بالإجابة من دُعَاء جَمِيع النَّاس لَهُ، وَهَذَا الدُّعَاء الَّذِي هُوَ سُؤال الْوَسِيلَة لَهُ ﵊، وَكَذَلِكَ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ لَيْسَ مَكَانَهُ عِنْد الْقَبْر، بل لَيْسَ لَهُ مَكَان مَخْصُوص غير أَن سُؤال الْوَسِيلَة مُقَيّد بِسَمَاع الْأَذَان وَإجَابَة الْمُؤَذّن لحكمة لَا نعلمها.
فَإِن قَالُوا: قبر الرَّسُول ﵇ لَهُ خَصَائِص؛ فَلَا يماثل بِقَبْر غَيره، وَلذَلِك يزار من قريب وَمن بعيد وتشد لَهُ الرّحال، وَلَيْسَ من ذَلِك تذكر الْآخِرَة الَّذِي يحصل بالمقابر الْأُخْرَى أَكثر، وَلَا الدُّعَاء لصَاحب الْقَبْر، بل لحقوق الرَّسُول ﷺ على أمته وعظيم قدره..
إِن قَالُوا ذَلِك أجبناهم بِأَن نقُول: أَولا أَصْحَابه ﵃ أعلم مِنْكُم بحقوقه وَأكْثر مِنْكُم تَعْظِيمًا لَهُ، وَمَا رَأَوْا أَن ذَلِك يسْتَلْزم زِيَارَة قبر لَا بشد وَلَا بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ التابعون لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْمنَا هَذَا، بل إِن الَّذين يزورون الْقَبْر الشريف من أهل السّنة بِدُونِ شدّ رَحل يدْخلُونَ زيارته تَحت الْأَمر الشَّرْعِيّ إِن كَانَ أمرا أَو إِبَاحَة، أما حُقُوقه ﵇ فمعلومة لديهم وعظيمة فِي نُفُوسهم وَقُلُوبهمْ واعتقادهم، وَلَيْسَ مِنْهَا شدّ الرحل لزيارة قَبره؛ إِذْ لَو كَانَ مِنْهَا لأمر بِهِ وحث عَلَيْهِ؛ فَمَا من جزئية وَلَا كُلية تعود على أمته بِالْخَيرِ وَالْمَنْفَعَة فِي أُمُور دينهم إِلَّا بَينهَا أتم بَيَان ودعا إِلَيْهَا وَرغب فِيهَا، فَمَا باله - يهمل هَذِه الْمَسْأَلَة؟ أنسيانًا ... أم تقصيرًا؟ ... حاشاه من كل ذَلِك.
وَأَنا وَالله أعجب كثيرا لفضيلة الشَّيْخ عَطِيَّة عِنْدَمَا أمرّ بِبَعْض الْمَوَاضِع فِي بَحثه لهَذِهِ الْمَسْأَلَة، وعندما ألاحظ بعض الْعبارَات وَبَعض التَّصَرُّفَات، من ذَلِك أَنه لم ينْقل فِي هَذَا الْبَحْث عَن غير ابْن حجر، وَكَأن أحدا من عُلَمَاء الْمُسلمين لم يُوجد، أَو لم يتَعَرَّض لهَذِهِ الْمَسْأَلَة من أَي جَانب من جوانبها؛ فَلَا أَدْرِي أكلّ ذَلِك ثِقَة مُطلقَة بِابْن حجر دون غَيره، أم ذَلِك نتيجة لكسل حالَ بَينه وَبَين بحث الْقَضِيَّة فِي كتب فحول الْعلمَاء وأئمة الْإِسْلَام، مثل كتب شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية، وَكَذَا كتب شمس الدّين ابْن الْقيم، وَكَذَا الصارم
1 / 208