صحيح المقال في مسألة شد الرحال
الناشر
الجامعة الإسلامية
رقم الإصدار
السنة الحادية عشرة-العدد الثالث
سنة النشر
ربيع الأول ١٣٩٩هـ/ ١٩٧٨م
مكان النشر
المدينة المنورة
تصانيف
ﷺ، فَقَالَ: إِذا دخلت الْمَسْجِد فَسلم، ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله ﷺ قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدًا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر، لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد، وصلوا عَليّ؛ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم"، ثمَّ قَالَ: مَا أَنْتُم وَمن بالأندلس إِلَّا سَوَاء.
تمّ قَالَ: الْعَلامَة السهسواني ﵀: "كَذَلِك سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وقاضي الْمَدِينَة فِي عصر التَّابِعين ذكر عَنهُ ابْنه إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ لَا يَأْتِي الْقَبْر قطّ، وَكَانَ يكره إِتْيَانه".
ثمَّ قَالَ ﵀: "أفيظن بهؤلاء السَّادة الْأَعْلَام أَنهم خالفوا الْإِجْمَاع، وَتركُوا تَعْظِيم رَسُول الله ﷺ وتنقصوه؛ لما لم يرَوا مَشْرُوعِيَّة زِيَارَة قَبره، عاملين بِالْحَدِيثِ الثَّابِت عَنهُ ﵇؟ "
ثمَّ قَالَ: "فَهَذَا لعمر الله هُوَ الْكَلَام الَّذِي تقشعر مِنْهُ الْجُلُود".
تمّ قَالَ: "وَلَيْسَ مَعَ عباد الْقُبُور من الْإِجْمَاع إِلَى مَا رَأَوْا عَلَيْهِ الْعَوام والطغاة فِي الْأَعْصَار الَّتِي قل بهَا الْعلم وَالدّين، وضعفت فِيهَا السّنَن ... الخ مَا كتبه ﵀ من كَلَام صَحِيح وَتَحْقِيق يعجز عَن نقضه من ادّعى سواهُ".
قلت: إِن هَؤُلَاءِ الْعَوام والطغاة فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة - كَمَا أَشَارَ الْعَلامَة مُحَمَّد بشير السهسواني ﵀ هم الجذور الَّذِي يعنيه من زعم أَن جَوَاز شدّ الرّحال لزيارة الْقَبْر الشريف هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَالَّذِي نَقله فَضِيلَة الشَّيْخ عَطِيَّة مُوَافقا عَلَيْهِ أَو مستدلا بِهِ١.
وَأَقُول مرّة أُخْرَى: أَلَيْسَ مَذْهَب ابْن تَيْمِية أقرب إِلَى مَذْهَب خصومه مِمَّا نقل عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة من التَّابِعين وتابعيهم؟.. الْجَواب بِلَا؛ ذَلِك لِأَن ابْن تَيْمِية لَا يمْنَع زِيَارَة الْقَبْر الشريف مُطلقًا، بل يُصَرح بِأَن زيارته بِدُونِ شدّ رَحل عمل صَالح إِذا لم يصل الْأَمر إِلَى الْمُبَالغَة والغلو، كالإكثار من التَّرَدُّد عَلَيْهِ بِحَيْثُ يصل ذَلِك بالإنسان إِلَى اتِّخَاذه عيدًا، أَو يتَجَاوَز ذَلِك إِلَى دُعَائِهِ ﵇ والإستغاثة بِهِ، وَنَحْو ذَلِك من أُمُور الْعِبَادَة الَّتِي صرفهَا لغير الله كفر وشرك.
أما هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَكَمَا ترى النَّقْل عَنْهُم يرَوْنَ عدم مَشْرُوعِيَّة هَذِه الزِّيَارَة ونمها لَيست عملا صَالحا
_________
١ يفهم من كَلَام الْكَاتِب وَمن كَلَام السهسواني الَّذِي نقل عَنهُ أَن زِيَارَة قبر النَّبِي ﷺ غير مَشْرُوعَة، وَلم تثبت عَن أحد من السّلف مُطلقًا، وَأَن مُجَرّد إِتْيَانه يعْتَبر اتِّخَاذه عيدا.
وَهَذَا خلاف مَا يدل عَلَيْهِ عُمُوم قَوْله ﷺ: " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، أَلا فزروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة"، وَقد خلط الْكَاتِب - عَفا الله عَنهُ - بَين حكم شدّ الرّحال وَبَين حكم زِيَارَة الْقَبْر نَفسه، وَالْفرق وَاضح بَين الْحكمَيْنِ لمن تَأمل؛ لِأَن شدّ الرّحال غير جَائِز لقصد الْقَبْر عِنْد التَّحْقِيق، أما زِيَارَة الْقَبْر بِدُونِ شدّ الرّحال فمشروعة، وَالله أعلم.. "الْمجلة".
1 / 199