وصحيح ما ذهب إليه الراغب، فإن رأيين خير من واحد، وقديمًا قيل: ورأيان خير من واحد، ورأي الثلاثة لا ينقض، ولذا يقال: من أُعِجبَ برأيه ضل، ونقل القرطبي عن الحسن البصري والضحاك أنهما قالا: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته بعده، ولقد أحسن القائل:
شاور صديقك في الخفي المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه ... في قوله (شاورهم) و(توكل) (١)
فالشاعر يدعو في هذين البيتين إلى المشاورة وحسن اختيار المستشار، وقد جاء لأحد الشعراء قوله:
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبًا ولا تعصه (٢)
وقال القرطبي: الشورى بركة، وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله ﵌ (ما شقي قط عبد بمشورة، وما سعد باستغناء رأي) (٣) وفي الحديث (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار) (٤). قال العجلوني: رواه الطبراني في الصغير، والقضاعي عن أنس، وفي سنده ضعيف، وما أحسن ما قيل:
شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يومًا وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تلقى كفاحًا من نآى ودنى ... ولا ترى نفسها إلا بمرآت
وقال النجم: روى ابن أبي الدنيا في العقل عن زائدة. قال: إنما نعيش بعقل غيرنا - يعني المشاورة، ولبعضهم: الناس ثلاثة: فواحد كالغذاء لا يستغنى عنه، وواحد كالدواء يحتاج إليه في بعض الأوقات، وواحد كالداء لا يحتاج إليه أبدًا.
_________
(١) - الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٥٠ لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي (المتوفى في ٩شوال سنة٦٧١هـ).
(٢) - هذا البيت مما اشتهر في ذلك وقبله:
إذا كنت في حاجة مرسلًا ... فأرسل حكيمًا ولا توصه
وإن باب ....
ونص الحديث إلى أهله ... فإن الوثيقة في نصه
إذا المرء أضمر خوف الإله ... تبين ذلك في شخصه
(٣) - القرطبي ٤/ ٢٥٢، وقد ورد الحديث في مسند الشهاب تأليف العلامة المحدث محمد بن سلامة بن جعفر، أبو عبدالله القضاعي المتوفى سنة ٤٥٤هـ ج٢ص٦ حديث (٧٧٣) الناشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية ١٤٠٧هـ١٩٨٦م.
(٤) - المعجم الصغير تأليف العلامة المحدث سليمان بن احمد بن أيوب، أبو القاسم الطبري، ج٢ص١٧٥ حديث (٩٨٠)، الناشر المكتب الاسلامي بيروت الطبعة الأولى ١٤٠٥هـ١٩٨٥م. ومسند الشهاب للقضاعي ج٢ص٧ حديث (٧٧٤).
1 / 13