الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ (النجم: من الآية ٢٣) وقال ﷾: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ (محمد:١٤) .
فأصل ما احتال به الشيطان عمن أراد الله إضلاله من العباد، وأول ما أوقعهم به في مهواة الكفر والإلحاد، فنالوا بذلك الطرد والإبعاد محبتهم لآلهتهم ومساواة الإله الحق بالأنداد، وكذلك أهل البدع والهوى، الذين عمت في كل قطر بهم البلوى، تجارى بهم الهوى كما يتجارى بصاحبه الكلب، فانسلوا إلى الضلالة من كل حدب، ولم يبق لهم من دين الله أدنى سبب. قدموا أهواءهم على الشرع وآثروه، وأعلنوا بضلالهم وأظهروه، لم يقدموا محبة الله ورسوله على السّوى، بل كرهوها، فقدموا عليها الهوى، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَل اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالهُمْ﴾ (محمد:٩)، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّل عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلحَ بَالهُمْ﴾ (محمد:٢) .
وأما محبة الله تعالى فهي مشكاة التوحيد ونبراسه، بل هي في الحقيقة أصله وأساسه، ولكن المحبة الصحيحة هي التي تقتضي المتابعة في حب ما يحب وبغض ما يكره، فمن أحب الله تعالى محبة صادق من قلبه، أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى بما يرضى الله ورسوله، ويسخط لما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه الظاهرة والباطنة بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك، بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله دل على نقص محبته الواجبة؛ لأن الواجب على كل مسلم أن يحب ما أحبه الله
1 / 98