إلى صراط مستقيم" (١)، وأرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماما.
اعلم أن المحبة نوعان: محبة الطبع، ومحبة العقل:
فمحبة الطبع كمحبة أبي طالب للنبي ﷺ وليس الكلام فيها وإنما الكلام في المحبة العقلية، وهي ما يقتضي العقل رجحانها، ويستدعي اختيارها، وإن خالفها هواه، إلا ترى المريض يعاف الدواء، وينفر عنه طبعه، ولكنه يميل إليه باختياره ويهوي تناوله بمقتضى عقله؛ لما يعلم أن صلاحه فيه. فهذه نتيجة دخول الإيمان في القلب، بحيث يختلط باللحم والدم، فتنكشف له محاسن الإسلام وزينه، وقبح الكفر وشينه. فهذه هي التي تشيد بها أصل الكفر وأصل الإسلام، وافترق بسببها الأنام.
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ (البقرة: من الآية ١٦٥) .
فالكافر وسائر المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله. وقد وصف الله تعالى بذلك المشركين في مواضع من كتابه المبين. فقال وهو أصدق القائلين: ﴿فَإِنْ لمْ يَسْتَجِيبُوا لكَ فَاعْلمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص:٥٠) . وقال: ﴿وَلوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ (المؤمنون: من الآية ٧١) وقال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَليْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلوْ شِئْنَا لرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخْلدَ إِلى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ (الأعراف: من الآية ١٧٥-١٧٦) وقال ﷻ: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية ١٥) وقال تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
_________
(١) رواه مسلم (٧٧٠) .
1 / 97