محبة توجب له الإيقان بما وجب عليه منه، وأن يكره ما كرهه الله كراهة توجب له الكف عما حرم عليه منه.
ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:٦٥) وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: من الآية ٣٦) وقال: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِليْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (التوبة: من الآية ٢٤) .
فمن ملأت هذه المحبة زوايا قلبه صار قلبه مشكاة مصباحها معرفة الله تعالى المشرقة أنوارها، البديعة أسرارها، فلا يبقى حينئذ فيه سوى عظمة الله تعالى وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه، وتصير هذه الأحوال في قليه بسبب المعرفة مشاهدة له بعين البصيرة، فلا تستطيع الجوارح الظاهرة أن تبعث إلى شيء من الأشياء أو عمل من الأعمال إلا بموافقة ما رسى ورسخ في القلب. ولهذا السر البديع أشار ﷺ بقوله في خطبته بعد قدومه المدينة: "أحبوا الله من كل قلوبكم" (١)؛ لأنه متى امتلأ بعظمة الله تعالى، فينمحي إذ ذاك كل ما سواه، ولا يبقى للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا ما يريده منه مولاه، فلا يتحرك إلا بأمره، ولا ينطق إلا بتوحيده وذكره، ولا
_________
(١) رواه الترمذي (٣٧٨٩) من حديث ابن عباس ﵄، وقال: حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه.
1 / 99