قال بعض العارفين: (١)
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
فهذه الدعوى التي زعمها الملحدون، وتسمى بها المبطلون، هي التي ادّعاها قريش والمشركون، فكانوا بعبادة من عبدوه إلى الله يتقربون.
وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (الزمر: من الآية ٣) فأذاقهم الله تعالى من بأسه هلاكا وحتفا، وأذهب غيظ قلب نبيه وأصحابه منهم وأشفى، واستبيحت دماؤهم وأموالهم، وساءت للكافرين منهم أحوالهم، وصارت للجحيم عاقبتهم ومآلهم، ﴿فَلوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (الأحقاف:٢٨) .
بل ادعاها قبلهم النصارى واليهود، مع إصرارهم على قتل الأنبياء وتكذيب الرسل والجحود، فلعنهم الله، وغضب عليهم، وجعل منهم الخنازير والقرود، ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (المائدة: من الآية ٧٨) .
ولا ريب أن الكلام على المحبة يستدعي طولا، بل يستلزم أبوابا وفصولا، ولكن لا بد من نبذة يسيرة، حتى تكون للإفادة مسيرة، ولمريد الدين والتوحيد بصيرة.
فأقول مستعينًا بالله تعالى متوكلًا عليه، رافعًا أكفَّ الضراعة في التوسل إليه "اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء
_________
(١) القائل هو الإمام الشافعي كما في ديوانه ١٢٤٩.
1 / 96