ذهب الذين يعاش في أكنافهم .... وبقيت في زمن كجلد الأجرب فجمعت المتفرق من تلك الفرائد، وأعربت الزلل في بعض تلك المواضع، وأبهمت البيان في أماكن، بل أشرت ليكون ذلك أسهل تناولا على اللبيب؛ إذ الإسهاب قبيح عند ذوي الألباب، وإن كان الإمام رحمه الله حذا حذو المسهبين، وأطال في بعض المباحث بلا برهان مبين، وبالغ في ذم من ترسل عليه، ونسي أن الحبر من رد ورد عليه، ولعل الراد عليه قصد وجه الله في نصحه، وأدى ما يلزمه في ذلك فقابله رحمه الله بذمه وجرحه، ثم تمادى إلى هتك أستار المتكلمين، ومدح أعداء الدين، واستطال حتى زيف أقوال الأئمة الميامين، وأتى بما لم يأت به منصف من تقريض البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام فيا لها من مصيبة عظمى، وداهية دهماء، أبرزها اللجاج، وأثارها كثرة الحجاج بين أرباب التحقيق وأهل المعارف ومن هو بكل مكرمة حقيق، ولله القائل:
فؤاد من بلابله شجي .... وأعيان أماقيها بكي
لشق عصا القبيلة من روي .... أتيح لنا فلا كان الروي
كأنه لم يسمع قول النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام من الأخبار حتى فرط منه ما فرط من التنقيص حيث فضل غيره عليه وساواه بأعدائه لو لم يبايع بعد عثمان لظننت أن يصرح ببغيه على البغاة عليه، فمما ورد في حقه صلوات الله عليه قوله صلى الله عليه وآله من خبر الحديقة: وأجهش صلى الله عليه وآله باكيا، قال علي عليه السلام : ما يبكيك؟ قال: ((ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، قلت: يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك)). أخرجه البزار وأبو يعلى والحاكم وأبو الشيخ والخطيب وابن الجوزي وابن النجار.
صفحة ٣٠