فطالما تحريت الرشاد، وتتبعت معالم العلماء النقاد من أيام ابتداء الطلب، متوخيا النجاة، خائفا من مزالق العطب، إلى أن قاربت الأربعين، وشابت القذال، وضعف الفهم، فلا أتذكر إلا بعد حين، أشرت في أثناء المحاروة بيني وبين أحد العلماء العاملين إلى مواضع عثرت عليها مرارا، وكنت بها قمين لطول ممارستي هذا الشأن منذ سنين، خرج فيها الإمام الكبير ذو القدر الخطير، علامة الزمن، والشامة في بني الحسن، واحد زمانه، وفيلسوف أوانه: محمد بن إبراهيم بن المفضل الوزير رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه بجوار جده المختار من مواطن الإنصاف إلى مهاوي التمويه والاعتساف، من نقل غير صحيح، وتعديل معاوية وأحزابه من صار الإسلام منكلم بسيفه إلى الآن جريح في كتابه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) فوجدته فرش مسامعه لتلك الإشارات، واستطعم الزيادة منصفا لتلك التنبيهات، فأخجلت من إسماعي مسامعه ما تلقفته عنه وعن أمثاله، وثاب إلى لبي بعد إساءة الأدب بين يديه، فكرر علي الطلب، وأدناني حتى محق عين حجاب الهيبة من جنابه، وأفحمني بكثرة السؤال على زبر تلك الخواطر ورفعها إلى بابه، فاستخرت الله تعالى وأجبته إلى ما طلب؛ إذ مثلي يعلم أن حقه علي من أول وهله قد وجب، معترفا والله بقصر الباع وقلة الاطلاع مع تكدر البال، ودنو الترحال، وعدم الإخوان والأعوان، ومن بهم على الحوادث يستعان.
صفحة ٢٩