[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الحمد لله الذي خلق الخلق مبتدعا على غير مثال، وأحكم صنعته ونفذ مراده، وقدر الأقوات والآجال، أحمده سبحانه على ما أسدى إلينا من النعم الجسام، وفضلنا بالعقل لننظر به نجاتنا عن ما عجزت عنه الأنعام، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للأنام، سيدنا محمد وعلى آله المطهرين من الرجس والآثام، القائل فيهم ذو الجلال والإكرام: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب:33] ولما سبق في علم الله تهاتر أولي الأهواء آي القرآن إلى أهوائهم، قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم}[النحل:44]، فبين لنا المصطفى صلى الله عليه وآله بما ينفي الريب عن كل ممتحن للإيمان، وأبرز المعاني لكل ملهوف وإلى الحق ولهان، فجمع الأربعة معه تحت الكساء، ثم تلا الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب:33] أخرجه أبو طالب عن أم سلمة.
صفحة ٢٢
وأخرج في (المحيط) عن أبي سعيد قال: نزلت هذه{ إنما يريد الله...} في نبي الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين" فجللهم بكساء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) وأخرجه أيضا عن أم سلمة، وأخرجه مسلم عن عائشة، والترمذي عن أم سلمة، وأخرج عن أنس أيضا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزلت هذه يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة يقول: ((الصلاة أهل البيت { إنما يريد الله...})) الآية، وأخرج خبر أنس الحاكم الحسكاني، وأخرجه عن أبي سعيد وعن أبي الحمراء خادم رسول الله صلى الله عليه وآله من طرق عديدة بالمعنى وأكثر اللفظ، وأخرج بإسناده من طريقين إلى البراء بن عازب قال: جاء علي وفاطمة والحسن والحسين إلى باب النبي صلى الله عليه وآله فخرج النبي صلى الله عليه وآله فمال بردائه وطرحه عليهم وقال: ((اللهم هؤلاء عترتي))، وأخرج معناه عن جابر، وأخرج خبر الكساء أيضا عن جابر وذكر الآية، وأخرج خبر الكساء بسنده عن الحسن السبط عليه السلام وأخرج خطبة الحسن التي ذكر فيها خبر الكساء من ثلاث طرق، وأخرجه عن سعد بن أبي وقاص من ثلاث طرق أحدها خبر طويل فيه فضائل أخرى لعلي عليه السلام ورواه أيضا مسلم في صحيحه والترمذي، وروى الحاكم في شواهد التنزيل أيضا من طرق كثيرة عن أبي سعيد خبر الكساء وقد روي عن ابن عباس من طرق، وعن عبد الله بن جعفر الطيار، وقد روي عن عائشة من طرق، وعن واثلة بن الأسقع من طرق أخرج أحمد بن حنبل أحدها، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن الأوزاعي، وفي شواهد التنزيل من طريقين عن فاطمة الزهراء+، وعن أم سلمة من فوق خمسين طريقا، ورواه الحاكم بن كرامة في (تنبيه الغافلين) من طرق عن أبي سعيد وأم سلمة وعائشة، وروى الزرندي الشافعي عن أبي سعيد وأم سلمة وأبي الحمراء بطرق متعددة أن هذه الآية نزلت في الخمسة، ومثله في كتاب (أسباب نزول القرآن) للواحدي عن أبي سعيد وأم سلمة، وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي مثله وقال: رواه الطبراني، وروي في شفاء القاضي عياض نحوه، وفي (ذخائر العقبى) مثله بطرق متعددة، وأخرجه الترمذي من طريق عمر بن أبي سلمة وقال في حديث أم سلمة: حسن صحيح، وأخرجه الدولابي، وأخرج حديث واثلة أحمد وأبو حاتم، وحديث عائشة مسلم، وحديث أبي سعيد أحمد والطبراني، وفي كتاب (المصابيح) للبغوي عن سعد وعائشة، وأخرجه المرشد بالله عن واثلة وعمر بن أبي سلمة، ورواه المنصور بالله عليه السلام بطرقه، ورواه شهر بن حوشب من ثلاث طرق عن أم سلمة، ورواه البخاري والحميدي عن عائشة، وروى أبو داود ومالك خبر مرور النبي صلى الله عليه وآله بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر حين نزلت هذه الآية، ورواه ابن البطريق في (العمدة) من كتب العامة بطرق واسعة، ورواه الكنجي الشافعي من طرق عن زينب وأم سلمة وعائشة وأبي سعيد وأبي الحمراء بألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
إذا تحقق عندك تواتر المعنى من تعدد الطرق فأنت الحكم، أيحكم فيهم وفي دين الله من لا يساويهم في الرتب ولا يدانيهم في الورع والزهد وخصوص الحب بالله؟!!
أما صفى عندك مشربهم؟ ولا استنار لك هديهم؟ حتى ملت عنه ورجحت كلام غيرهم!!
لقد رابني منك التعنت والهوى .... وتقريض أعداء الوصي وابنه الحسن
وتعديل من أردى الحسين بكربلاء .... وصدك عما في هداهم من السنن
فلا تحسبني واثقا بقريضكم .... ولا جاهلا أن القريض من المحن
هلم دليل الحق إن كنت واجدا .... وإلا فدن أن القريض من الفتن
هجيرك جرح المؤمنين وذمهم .... وعروتكم أضحت من العهن والقطن
وذميتم أهل الكلام لعجزكم .... عن الغاية القصوى مضاعفة المؤن
وهل بسهام العجز ترموا خصومكم .... وما نيرات الحق يذهبن بالعشن؟
إذا قلت: قال المصطفى وابن عمه .... وعترته الأطهار بالنص فاسمعن تعارضني بابن المديني وشعبة .... وبابن معين وابن خضراوة الدمن
صفحة ٢٤
نواصب من أهل الشأم وغيرهم .... من الأشعرين البله من حمير اليمن
وقلتم: بأن الله ليس بقادر .... بأن يخلق القرآن هذا من الوسن
ولفظى به قلتم قديم وقدرتى .... مخلوقة هذا هو الخلف فاعلمن
ومن قال: مخلوق فقد صار كافرا .... لديكم ومجروحا وليس بمؤتمن
وقلتم: أحاط الله عرشه فاستوى .... عليه وخلى الكون من غابر الزمن
أحطتم علما بالإله كذبتم .... وقلتم: بلا كيف فكيف بكيف من؟!
وقلتم: تروه بالعيون وإنما .... يرى الجسم أو فرعه حين يستكن
وأثبتم وجها وأيد كثيرة .... بجنب وإبصار أما ذاكم اللكن
وقلنا لكم: آي الكتاب بليغة .... على سنن العربا ذوي القول والفطن
فدونكم باب المجاز فإنه .... هو الغاية القصوى لدى الخاطب اللسن
قصاراكم إن تنتهوا عند سمعه .... إلى العرب الفصحا إلى واصف الدمن
إلى قرنا القرآن آل محمد .... سفينة نوح والبراء من الوهن
هم [العروة] الوثقى لمعتصم بها .... فهديهم يجلى به الهم والحزن
وسيأتي الكلام المشار إليه مفصلا.
فأما قوله في أهل البيت": ((أنهم قرناء القرآن وسفينة نوح)) فذلك إشارة إلى ما رواه المؤيد بالله عليه السلام بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وفي رواية أبي عبد الله الجرجاني: ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي...)) إلى آخره.
وفي (الجامع الكافي): ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). قال: وهذا خبر مشهور.
صفحة ٢٥
ورواه في صحيفة علي بن موسى الرضا، ورواه في أمالي المرشد بالله عن زيد بن أرقم مرفوعا من طريقين، ورواه الناصر الأطروش عن أبي سعيد مرفوعا وعن زيد بن ثابت، وأخرجه مسلم، وفي (الجامع الصغير) عن زيد بن أرقم، وأخرجه عبد بن حميد وابن حنبل في مسنده، وأخرجه الحاكم من ثلاث طرق، ورواه السمهودي عن جابر وعن حذيفة وقال: أخرجه الطبراني وابن عقدة والضياء في (المختارة) وأبو نعيم في (الحلية) وأخرجه البزار وأشار إليه الترمذي، ورواه ابن المغازلي، وقد روي من طرق عديدة لدى الفريقين فلم يبق للمعاند إلا مجرد التعسف والمين، والمعنى ظاهر البرهان، قوي الأركان، معرف البيان، لا تخفى دلالته على إنسان، تنشرح له الأذهان، وتداوى بريه من كدر الأحزان، وتدحض به قوام مهاوي الشيطان.
وقال صلى الله عليه وآله : ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)) أخرجه الحاكم في المستدرك، وفي رواية أبي عبد الله الجرجاني: ((ومن تخلف عنها غرق)).
صفحة ٢٦
قال الإمام القاسم: ((وهذا الخبر مجمع على صحته عند علماء الآل وشيعتهم)) وفي (منهاج القرشي): أنه متلقى بالقبول، ورواه الهادي في (الأحكام)، ورواه علي بن موسى، وفي روايته: ((ومن تخلف عنها زج في النار)). وفي نهاية ابن الأثير كذلك لكن لم يذكر: ((من ركبها نجا))، ورواه الإمام أبو طالب والمرشد بالله بسندهما، ورواه في مناقب ابن المغازلي بسنده إلى ابن عباس، وأخرجه عن أبي سلمة بن الأكوع وعن أبي ذر وعن ابن عباس وعن أبي ذر من طريقين أخريين، ورواه في (ذخائر العقبى) عن أبي ذر قال: وأخرجه الحاكم من طريقين عن أبي إسحاق، قال: وكذا هو عند أبي يعلى في مسنده، وأخرجه الطبراني في (الصغير) و(الأوسط) من طريق الأعمش، ورواه في (الأوسط) أيضا من طريق الحسن بن عمر، وأخرجه أبو نعيم عن أبي إسحاق ومن طريق سماك، وأخرج البزار نحوه، وأخرجه ابن المغازلي أيضا عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وآله ، ورواه في (الجامع الصغير)، ورواه في كتاب (الجواهر) للشفيقي عن ابن عباس قال: أخرجه الملا في سيرته، ورواه أيضا عن علي عليه السلام بلفظ: ((ومن تخلف عنها زج في النار، ومن تعلق بها فاز)) قال: أخرجه ابن السري، ورواه الحاكم الجشمي في (تنبيه الغافلين).
ورواه أيضا المحب الطبري مما يطول شرحه ويمل سامعه، وله شاهد من كتاب الله سبحانه: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}[الشورى:23] والمودة هي المحبة، والمحبة هي الاتباع قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] والمأمور بمودتهم هم أهل الكساء.
روى المرشد بالله بسنده إلى ابن عباس من طريقين قال: لما نزلت قالوا: يا رسول الله، ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وابناهما)).
صفحة ٢٧
وذكره في (الكشاف) في تفسير هذه الآية، وفي كتاب (شواهد التنزيل) مسندا من نحو ثمان طرق إلى ابن عباس، وأخرجه أحمد بن حنبل والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي في مناقبه، وأخرجه في (شواهد التنزيل) عن أمير المؤمنين عليه السلام وأنس وأبي أمامة، ورواه في الصحيحين البخاري ومسلم، ومثله روى رزين من (الجمع بين الصحاح)، ورواه في (درر السمطين) عن علي عليه السلام وفي كتاب (تنبيه الغافلين) عن ابن عباس، وأخرجه الطبراني في الكبير.
وله شواهد كثيرة في محبتهم ليس هذا محل جمعها فمن تأملها خاليا خلده من سقم الهوى والعصبية متحريا طلب النجاة من مهاوي الأهواء الردية، متمسكا لدينه بالحجج القوية، والطرق المتعددة من مرويات أهل الإسلام ومدوناتهم الأزهرية، علم أنهم العروة الوثقى، والسفينة من الغرق والنجا، وفهم أن إجماعهم هو الحجة العظمى، وأن هديهم هو المحجة البيضاء، وأن الإمامة فيهم إلى آخر الزمان، وأنهم أمان أهل الأرض في كل عصر وأوان بشهادة الكتاب العزيز، وسنة برزت بروز الإبريز، فعليك أيها الطالب باقتفاء آثارهم، والاهتداء بهديهم، ودع أقوال الناس العاطلة عن الهدى، والركيكة الأساس، فلا تسوي أقوال الرجال مع المرسل من ذي الجلال ولله القائل:
دعوا كل قول غير قول محمد .... فعند بزوغ الشمس ينطمس النجم
أما بعد ..
صفحة ٢٨
فطالما تحريت الرشاد، وتتبعت معالم العلماء النقاد من أيام ابتداء الطلب، متوخيا النجاة، خائفا من مزالق العطب، إلى أن قاربت الأربعين، وشابت القذال، وضعف الفهم، فلا أتذكر إلا بعد حين، أشرت في أثناء المحاروة بيني وبين أحد العلماء العاملين إلى مواضع عثرت عليها مرارا، وكنت بها قمين لطول ممارستي هذا الشأن منذ سنين، خرج فيها الإمام الكبير ذو القدر الخطير، علامة الزمن، والشامة في بني الحسن، واحد زمانه، وفيلسوف أوانه: محمد بن إبراهيم بن المفضل الوزير رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه بجوار جده المختار من مواطن الإنصاف إلى مهاوي التمويه والاعتساف، من نقل غير صحيح، وتعديل معاوية وأحزابه من صار الإسلام منكلم بسيفه إلى الآن جريح في كتابه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) فوجدته فرش مسامعه لتلك الإشارات، واستطعم الزيادة منصفا لتلك التنبيهات، فأخجلت من إسماعي مسامعه ما تلقفته عنه وعن أمثاله، وثاب إلى لبي بعد إساءة الأدب بين يديه، فكرر علي الطلب، وأدناني حتى محق عين حجاب الهيبة من جنابه، وأفحمني بكثرة السؤال على زبر تلك الخواطر ورفعها إلى بابه، فاستخرت الله تعالى وأجبته إلى ما طلب؛ إذ مثلي يعلم أن حقه علي من أول وهله قد وجب، معترفا والله بقصر الباع وقلة الاطلاع مع تكدر البال، ودنو الترحال، وعدم الإخوان والأعوان، ومن بهم على الحوادث يستعان.
صفحة ٢٩
ذهب الذين يعاش في أكنافهم .... وبقيت في زمن كجلد الأجرب فجمعت المتفرق من تلك الفرائد، وأعربت الزلل في بعض تلك المواضع، وأبهمت البيان في أماكن، بل أشرت ليكون ذلك أسهل تناولا على اللبيب؛ إذ الإسهاب قبيح عند ذوي الألباب، وإن كان الإمام رحمه الله حذا حذو المسهبين، وأطال في بعض المباحث بلا برهان مبين، وبالغ في ذم من ترسل عليه، ونسي أن الحبر من رد ورد عليه، ولعل الراد عليه قصد وجه الله في نصحه، وأدى ما يلزمه في ذلك فقابله رحمه الله بذمه وجرحه، ثم تمادى إلى هتك أستار المتكلمين، ومدح أعداء الدين، واستطال حتى زيف أقوال الأئمة الميامين، وأتى بما لم يأت به منصف من تقريض البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام فيا لها من مصيبة عظمى، وداهية دهماء، أبرزها اللجاج، وأثارها كثرة الحجاج بين أرباب التحقيق وأهل المعارف ومن هو بكل مكرمة حقيق، ولله القائل:
فؤاد من بلابله شجي .... وأعيان أماقيها بكي
لشق عصا القبيلة من روي .... أتيح لنا فلا كان الروي
كأنه لم يسمع قول النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام من الأخبار حتى فرط منه ما فرط من التنقيص حيث فضل غيره عليه وساواه بأعدائه لو لم يبايع بعد عثمان لظننت أن يصرح ببغيه على البغاة عليه، فمما ورد في حقه صلوات الله عليه قوله صلى الله عليه وآله من خبر الحديقة: وأجهش صلى الله عليه وآله باكيا، قال علي عليه السلام : ما يبكيك؟ قال: ((ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، قلت: يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك)). أخرجه البزار وأبو يعلى والحاكم وأبو الشيخ والخطيب وابن الجوزي وابن النجار.
صفحة ٣٠
وروى الفقيه إبراهيم بن محمد الصنعاني عن الباقر عن آبائه" عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه، من اعتصم به أخذ بحبل الله، ومن تركه مرق من دين الله، ومن تخلف عنه محقه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومن أخذ بولايته هداه الله)).
وأخرج أحمد والحاكم: ((من فارقني فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني)).
وأخرج الحاكم قوله صلى الله عليه وآله فيه: ((اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه)). ومثله النسائي وأبو داود وأبو نعيم.
وأخرج أبو نعيم من حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ((إن عليا راية الهدى، وإمام الأولياء، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني)).
وقال صلى الله عليه وآله : ((سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الفاروق بين الحق والباطل)). أخرجه الكنجي الشافعي، وأخرج قوله صلى الله عليه وآله لعلي: ((وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي)).
وأخرج قوله صلى الله عليه وآله : ((إن رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب أنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني)) وقال: أخرجه صاحب (حلية الأولياء).
وأخرج زيد بن علي عليه السلام قوله صلى الله عليه وآله لعلي: ((أنت تؤدي ديني، وتقاتل على سنتي، وأنت باب علمي، وإن الحق معك، والحق على لسانك)).
وأخرج أبو طالب قوله صلى الله عليه وآله لعمار: ((عليك بهذا الأصلع عن يميني وإن سلك الناس واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس، يا عمار إن عليا لا يردك عن هدى، ولا يدلك على ردى، يا عمار طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله)).
صفحة ٣١
وقال صلى الله عليه وآله لعلي: ((تخصم الناس بسبع ولا يحاجك أحد من قريش: أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم بالرعية، وأبصرهم في القضية، وأعظمهم عند الله مزية)). أخرجه الحاكم.
وأخرج ابن عساكر عن جابر قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وآله : ((والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)) ونزلت: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}[البينة:7] فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا: ((علي خير البرية)).
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}[البينة:7] قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((هو أنت وشيعتك يا علي راضين مرضيين)).
وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : ((ألم تسمع قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}[البينة:7] أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمة للحساب)).
صفحة ٣٢
فهذا يقتضي أنه أفضل الصحابة من قريش وغيرهم وأنه أقضاهم، وأنه على الحق لا ينطق إلا به، فأما أحاديث حبه فقد بلغت حد التواتر المعنوي أخرجها أئمتنا" والمحدثون عن علي، وابن عباس، وعمر وابنه، وأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي بردة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وسلمان، وأبي رافع، وأم سلمة، وعائشة، وعمار، وجابر، وأنس، وعمران بن الحصين، وأبي ليلى الأنصاري، وجرير البجلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب، وبريدة بن الخصيب، وسلمة بن الأكوع، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن أحجم، وعامر بن سعد وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل والقاضي إسماعيل بن إسحاق: لم يرو في أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في علي عليه السلام .
وأخرج الدارقطني والحاكم في مستدركه قوله صلى الله عليه وآله لعلي: ((إن الأمة ستغدر بك من بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني)).
وأخرج الطبراني قوله صلى الله عليه وآله : ((يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، هذا علي فأحبوه لحبي، وأكرموه بكرامتي فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم)).
وقوله صلى الله عليه وآله : ((علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). أخرجه الحاكم والطبراني.
فأما حديث المنزلة والولاية والإخاء بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وما شاكلها فقد صرح الحفاظ بتواترها وهي مما لا تخفى على أدنى الفقهاء، فلذا تركنا نقلها، ومن أراد استقصاء ما في الباب فعليه بأخذ ذلك من مظانه.
صفحة ٣٣
[ذكر تعنت ابن الوزير، والإشارة إلى ترجمة شيخه]
ولكن جعلنا ذلك طليعة لما سيأتي على المطلع ليعرف تعنت الإمام محمد بن إبراهيم في كتابه (الروض الباسم -الذي زعم أنه- في الذب عن سنة أبي القاسم) ولم يذب فيه إلا عن الظاهرية وعن أعداء العترة الزكية من الصحابة وغيرهم من الفرق الإسلامية، وكيف قابل نصيحة صاحب الرسالة السيد العلامة الإمام جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق" العالم الكبير، والمجتهد النحرير، قرأ على إسماعيل بن إبراهيم النجراني في التفسير وغيره، وعلى ناجي بن مسعود في الحديث، وأحمد بن سليمان الأوزي، وكان رحمه الله سابقا في جميع العلوم، معروفا بالفضائل، له مشائخ غير من ذكرنا عدة، وتلامذته جم غفير منهم الإمام محمد بن إبراهيم، وعبد الله بن يحيى بن المهدي، وإسماعيل بن أحمد النجراني، وعلي بن موسى الدواري، وأحمد بن محمد الرصاص، والإمام صلاح الدين وغيرهم، وفتاويه تحتوي على مجلد، وله التفسير المشهور بالتجريد، أثنى عليه الإمام عز الدين بن الحسن عليه السلام، وله (شرح على الكافية) اختصره ولده سماه ب(النجم الثاقب) وكان حريصا على صيانة مذهب أهل البيت" فلذلك جرت الوحشة بينه وبين تلميذه محمد بن إبراهيم الوزير.
توفي رحمه الله سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. ا ه جواهر بتغيير في اللفظ يسير.
[وستقف] على ما أشرنا إليه تجد فوق ما وجهنا عليه، وكيف مسخ اسم كتابه بتأييد مذاهب الظاهرية وجرح الشيعة وثقات العدلية، فهذا هو الذب عن السنة أو ذهابها بجرح الثقات من جملتها وتوثيق النواصب والمرجئة غير المأمونين على روايتها، إن من هذا أطول منتهى حسرات العاملين، ومنه دوام سكب عبرات المؤمنين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
صفحة ٣٤
[معرفة الأخبار ووسائطها]
حكى عن صاحب الرسالة ما لفظه: (معرفة الأخبار مبنية على عدالة الرواة ومعرفة عدالتهم في هذا الزمان مع كثرة الوسائط كالمتعذرة، ذكر هذا كثير من العلماء، ومنهم الغزالي، والرازي، وإذا كان ذلك في زمانهم فهو في زماننا أصعب، وعلى طالبه أتعب؛ لازدياد الوسائط كثرة، والعلوم دروسا وفترة.
فإن قيل: نحن نقول بما قال الغزالي: إنا نكتفي بتعديل أئمة الحديث كأحمد بن محمد بن حنبل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، ومحمد بن إسماعيل البخاري، فإن هؤلاء قد تكلموا في الرواة وبينوا العدل ممن سواه.
قلنا: هذا لا يصح لوجوه:
أحدها: أنا إذا قلنا بتعديلهم فيمن كان متقدما فما يكون فيمن بعدهم من الرواة، فإن اتصال رواية الحديث من وقتنا إلى مصنفي الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم على وجه الصحة متعسر ومتعذر لأجل العدالة). ا ه. ما حكى عنه.
[ابن الوزير] وجوابه تضمن وجوها: أحدها: قوله: طلب الحديث ومعرفته شرط في الاجتهاد، والاجتهاد فرض واجب على الأمة بلا خلاف ..إلى قوله: فإذا ثبت أنه فرض لزم أنه من الدين، وإذا لزم أنه من الدين لزم أنه غير متعسر ولا متعذر.. إلى آخر كلامه.
[المؤلف] أقول: إلزامه بما ذكر غير لازم؛ لكون المترسل لم يسد باب الاجتهاد لوجوه:
أحدها: إذا كان مذهبه عدم قبول الآحاد فكم في السنة من طريقة متواترة أو مشهورة أو متلقاة بالقبول أو عضد متنها موافقة آية قرآنية أو قياس منصوص على علته أو غير ذلك مما يوجب الاحتجاج بالمتن من المرجحات.
صفحة ٣٥
ثانيا: إن كلامه هنا متوجه إلى ما يحتاج فيه إلى تعديل الرواة كأخبار الآحاد وقليل ما يحتاج إليه الناظر لوجود ما يستدل به من القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38]، {اليوم أكملت لكم دينكم}[المائدة:3] أو من السنة المتلقاه بالقبول، أو المتواتر، أو من طريق الأئمة الغنيين عن تعديل المحدثين وإنكار ذلك مكابرة، بل إنكار للضرورة البديهية.
ثالثا: إن في طرق هذه الكتب من هو غير مقبول إما لكونه متلبسا بأحد البدع إما جبر أو تشبيه أو بغي أو إرجاء أو يتفرد برواية الكتاب كالفربري سلمنا أن هؤلاء مقبولون فغالبهم داعيا إلى بدعته ولا يخفى ما فيه عند أهل الحديث، وإنكار وقوع هذا الوجه مكابرة.
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الثاني: إفراط المعترض على أهل السنة وطلبة الحديث في تفسير معرفته .. حتى قال: إن ذلك متعسر أو متعذر وذلك يقتضي أنه شاك في تعذره غير قاطع بدخوله في حيز الممكنات، وقد ثبت أن الاجتهاد من الفروض الدينية والشعائر الإسلامية وأنه رأس معارفه الغزيرة...إلى قوله: وطلب الحديث مشروع واجب، فلو أوجبه الله وهو متعذر لكان الله سبحانه قد كلفنا ما لا نطيقه وهذا القول بتكليف ما لا يطاق مردود عند جماهير أهل المذاهب كلهم، وأما المعتزلة والزيدية فعندهم أن تجويزه كفر وخروج من الملة...إلى قوله: ومذهب الزيدية أنه لا يجوز خلو الزمان عن عالم مجتهد جامع لشروط الإمامة فعلى أي المذاهب بنيت هذه الرسالة؟ ولأي الأسباب ركبت هذه الجهالة؟.
[المؤلف] قلت: المتأمل لما قد قدمناه يعلم براءة المترسل من لزوم تعذر كونه من الممكنات؛ لكون المبالغة لغة عرفية، ولوجود السنة المشروطة في الاجتهاد ممكن طلبها مما قدمنا.
صفحة ٣٦
وأما قوله: (فعلى أي المذاهب...)إلخ فلقائل أن يقول: على المذهب الأقوى من كون الفسق سلب أهلية لما ورد من الأدلة على رد أخبار الفسقة أو كونه داعي إلى بدعته، ولا يبعد دعوى الإجماع على رد خبر الداعية وهو موجود في رجال الصحيح، ثم من أين لك حصر السنة على ما عند أهل الصحاح بريئا من المرجحات السابقة والشواهد الموافقة؟
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوجه الثالث: أن كلام هذا المعترض مستلزم لخلو الزمان من أهل المعرفة بالحديث ومن أهل الاجتهاد في العلم.
[المؤلف] أقول: أما مما حكى فلا يستلزم ذلك.
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوجه الرابع: إنه لا فرق فيما ذكره بين علم الحديث وبين سائر علوم الإسلام...إلخ.
[المؤلف] أقول: قد سوى رحمه الله بين علم الحديث وغيره ولا سواء؛ لوجوب تعلق علم الحديث على كل ناظر، ومعرفة الصحيح من غيره لا يخفى على الخابر، ولا تختص به فرقة دون آخرين؛ لوقوعه في جماهير العاملين من فرق المسلمين، ودعوى اختصاص الظاهرية بذلك من افتراء المفترين، بيانه أن أعظم الفرق تحريا للاجتهاد والجهاد هم الزيدية وغيرهم قعد عن هذين الركنين، وإن تكلموا في رجال الإسناد وفحصوا عن أدلة الاجتهاد فأعمالهم مخالفة لأقوالهم، ومن تصفح المصنفات والأحوال برز له برهان ما قلنا بروز الهلال.
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوجه الخامس: أجمعت الأمة على جواز إسنادها في الكتب الصحيحة إلى أهلها بعد سماعها على من يوثق به...إلخ.
صفحة ٣٧
[المؤلف] قلت: ومثل هذا لا يضر المترسل ولا ينفع المجيب، وأما الإجماع فإنما استفاده من قولهم: أخرجه البخاري أخرجه مسلم، وقد يتفق مثل ذلك بالنسبة لا بالمعنى صحت تلك النسبة لديهم، على أنا لو فرضنا فليس كل مجتهد في كل عصر نقل عن الصحيحين، وصح له ذلك على أن من أهل البيت القدماء من منع من القراءة في كتب العامة، كما ذلك مشهور عن الحسن بن يحيى بن زيد وغيره إلا من عارف، وعدم علمك ليس بحجة مع علم غيرك.
[ابن الوزير] وقوله: حتى إن المعترض زعم أن البخاري مبتدع بل كافر صانه الله عن ذلك، واحتج عليه بشيء نقله من صحيحه يدل على أن البخاري يؤمن بالقدر، مع أن التكفير عند الزيدية والمعتزلة لا يجوز إلا بنقل متواتر، فكيف يحتج على البخاري بما في صحيحه وهو عنده لا يصلح بطريق ظنية؟!
[المؤلف] فالجواب: أما كونه مبتدعا فظاهر على مذهب العدلية وله مصنف في خلق الأفعال وهو ممن اشتهر عنه القول بقدم القرآن إلا أنه خالفهم في اللفظ به هل قديم أو مخلوق؟
وأما كفره فليس بصحيح لما ذكره رحمه الله لا سيما بطريق الآحاد على أن البخاري لم ينقل إلا ما قد حكينا في كتبنا عند الرد فلا يلزمه الكفر، كيف وقد نقلنا ما هو أعظم كمذاهب المشركين وأهل الكتاب، فالله المستعان الحق أحق أن يتبع!
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوجه السادس: إن كلام هذا المعترض مبني على تحريم قبول المراسيل كلها، وما أدري لم بنى كلامه على هذا وهو لا يدري باختيار خصمه؟ ...إلى قوله: فجواز قبول المراسيل مذهب المالكية والمعتزلة والزيدية ونص عليه منهم أبو طالب في المجزي والمنصور في كتاب(صفوة الاختيار)...إلخ.
[المؤلف] قلت: إن كان للمترسل غير هذه العبارة المحكية فيمكن، وما حكاه من المذاهب فصحيح مع كون المرسل لا يرسل إلا عن عدل، وأما هذه العبارة فلم يظهر لي من السياق لزوم عدم قبول المراسيل، فتأمل!!
صفحة ٣٨
[ابن الوزير] قال رحمه الله : إذا عرفت هذا فاعلم أن أقوى المراسيل ما أرسله العلماء من أحاديث هذه الكتب لوجوه:
أولها: أن نسبة الكتاب إلى مصنفه معلومة في الجملة بالضرورة، فإنا نعلم بالضرورة أن محمد بن إسماعيل البخاري ألف كتابا في الحديث، وأنه هذا الموجود في أيدي المحدثين، وإنما يقع الظن في تفاصيله وما علمت جملته وظنت تفاصيله أقوى مما ظنت جملته وتفاصيله. ا ه.
[المؤلف] أقول: دعوى الضرورة دعوى لا بيان عليها، وقد عرفناك المؤاخذة آنفا، وما أدري كيف الضرورة عنده، على أنا لو سلمنا ما ذكر فكيف بالتفاصيل؟ فكيف بالطريق منها إلى النبي صلى الله عليه وآله ؟ على أنا لا ننكر شهرة هذه الكتب بين علماء الإسلام والشهرة لا تفيد العلم مع استنادها إلى انفراد الآحاد إلى الفرد مع أن كلامه هذا حجة عليه في كتب الزيدية التي قام وقعد في تضعيفها كالشفاء وغيره لوجهين:
أحدهما أن الطريق إلى مؤلفيها أقوى من الطريق إلى البخاري.
ثانيا: إما أن يكونوا لا يرسلون إلا عن عدل عندهم فأقوى ممن يرسل أو يسند عن فاسق التأويل ويرسلون عنه، مع اشتراط تحريم الكذب ورجحان الضبط، فإذا هم والصحاح سواء، ولا محيص من أحدهما إلا بدعوى الجهل، وفقدانه فيهم ظاهر لمن أنصف، كيف وأكثر الجروح من المطلق المدفوع المنوه بعدم جريه في مصنفاتك رحمك الله!
صفحة ٣٩
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوجه السابع: إن أقصى ما في الباب أن يروي المحدث عن المجاهيل من المسلمين والمجاهيل من العلماء فقد قال بكل من ذلك من أهل العلم المجمع على فضلهم وثباتهم من لا يحصى، فقد ذهبت أئمة الحنفية إلى قبول المجهول من أهل الإسلام، وذهب إلى ذلك كثير من المعتزلة والزيدية وهو أحد قولي المنصور بالله ذكر ما يقتضي ذلك في كتابه (هداية المسترشدين) وهو الذي ذكره عالم الزيدية ومصنفهم وعابدهم وفقيههم عبد الله بن زيد العنسي ذكره في (الدرر المنظومة) بعبارة محتملة للرواية عن مذهب الزيدية كلهم وهو الذي أشار إلى ترجيحه أبو طالب في كتاب (جوامع الأدلة) وتوقف فيه في كتاب (المجزي)...إلخ.
[المؤلف] أقول: شروط الزيدية معروفة صريحا، وأما الفلتات والمحتملات فلا ندعي لهم العصمة، وهذه مصنفاتهم منادية على عدم قبول رواية المجهول بل الغالب عليهم جزم [عدم] قبول رواية فاسق التأويل فكيف بالمجهول، ومدعي الغرائب مطالب بالبرهان، وكلام المنصور مصرح به في (شرح السيلقية) عند ذكر معاوية بن أبي سفيان على أن اختيار المتأخر لا يضر مذهب المتقدم من أئمتنا قرناء الكتاب ورؤساء أولي الألباب.
وأما الحنفية فينظر في النقل عنهم من جواز قبول رواية المجهول مطلقا، قال في (مرآة الأصول) وشرحها (مرقاة الأصول) من أصول الحنفية في بحث حال الرواة ما لفظه: وهو إن عرف بالرواية فإن كان فقيها تقبل منه الرواية مطلقا سواء وافق بالقياس أو حالته وإن لم يكن فقيها كأبي هريرة وأنس فترد روايته إن لم يوافق الحديث الذي رواه قياسا.
[ابن الوزير] قال: فأقول: يمكن أن يحتج لهما بحجج قرآنية وأثرية ونظرية، أما القرآنية فقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[النحل:43] فإطلاق هذا الأمر القرآني يدل على وجوب سؤال جميع العلماء إلا ما خصه الإجماع وهو الفاسق المتعمد.
صفحة ٤٠
[المؤلف] الجواب عليه: إن الأمر وارد بسؤال أهل الذكر، والمراد بالذكر الصحيح المعهود ولا يعرف أنه من أهل الذكر إلا بعد معرفة صحة ذكره وهذا هو الدور وما استلزم الدور فهو عن الحجة بمعزل.
[ابن الوزير] قال: الأثر الأول: قول النبي صلى الله عليه وآله : ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله...))إلخ.
[المؤلف] قلت: مع القول بصحة الخبر وسلامة الطريق عن العلل فالجواب أنه يستلزم الدور لتوقف العدالة على حمل العلم المشار إليه وحمله متوقف على العدالة، بيان الملازمة من الطرفين أن العدالة مشترطة بأدلة واضحة مع كثرة الكذب على النبي صلى الله عليه وآله مقطوع بوقوعه، وكون العدالة الموجبة لحمل العلم المشار إليه وهو علمه صلى الله عليه وآله وإلا لزم تصديق كل راوي وتعديله سواء كان مسلما أو مشركا أو كتابيا؛ لأنها لا تخلو كتبهم عن فائدة دينية، وهذا الجواب كافي وإلا فالمسألة حرية بالتطويل لكن قصدنا الإشارة.
[ابن الوزير] قال: الأثر الثاني: قوله صلى الله عليه وآله : ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وهو صحيح، صححه محمد بن إسماعيل البخاري وأبو عيسى الترمذي وغيرهما.
[المؤلف] قلت: الاستدلال بهذا مريض؛ لاستلزامه الدور كالأول، وإنما يعجب الواقف من تشنيعه على المترسل بنقل أخبار صحيح البخاري عليه وهو لا يستلزمه، والآن صار الاستدلال على خصمه بما لا يلتزم، فما أسرع ما نسي، ثم ذكر أثرين اعترف بضعف الاستدلال بهما، ثم عدل إلى الأنظار الموعود بها وهي أضعف مما ذكر لكن مقصده رحمه الله أن لا ينكر على أهل هذا القول، وذكر في العدالة أبحاثا مفيدة جيدة ينبغي الوقوف عليها.
صفحة ٤١
[عدالة الصحابة]
[الإمام] قال صاحب الرسالة: الخامس: أن هؤلاء الأئمة في الحديث يرون عدالة الصحابة جميعا ويرى أكثرهم أن الصحابة من رأى النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا به وإن لم يطل ولم يلازم، وهذان المذهبان باطلان وببطلانهما تبطل كثير من الأخبار المخرجة في الصحاح.
أما المذهب الأول فلأن من حارب عليا عليه السلام مجروح، ومن قعد عن نصرته كذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، وقال: ((لا يبغضك يا علي إلا منافق شقي)) وأقل أحوال هذا أن لا تقبل روايته.
وأما الثاني فيلزمهم أن يكون الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله عدل بتعديل الله ولا يحتاج إلى تعديل أحد وكذلك كثير من رواتهم الذين هم أعراب أو يفدون عليه مرة واحدة كما جاء في حديث وفد تميم وأنزل فيه: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}[الحجرات:4] وحديث وفد عبد القيس.
[ابن الوزير] أجاب رحمه الله بقوله: أقول: اشتمل كلامه في هذا الوجه على مسائل:
المسألة الأولى: القدح على المحدثين لقبول المجهول من الصحابة
وقولهم: إن الجميع عدول بتعديل الله تعالى
والجواب عليه من وجوه:
ثم ساق ذلك، منها ما نقل عن بعض الزيدية أنهم صرحوا بقبول رواية الصحابة وتعديلهم وذلك مسلم، ولكن لهم في تعريف الصحابة مذهب غير مذهب المحدثين، فيرد مجمل قولهم إلى مبينه فيؤخذ التعريف من مظانه.
ثم استدل على عدالتهم فقال: أما الكتاب فمثل قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس ...}إلخ[آل عمران:110].
صفحة ٤٢