إذا كان الأمر كذلك، فكيف تقاس المسرات ليعلم أعظمها من أصغرها؟
2
وإذا كانت قيمة المسرة تتوقف على الشعور بها، فكيف تمكن مقايسة المسرات بعضها ببعض ليعلم أعظمها أو أصغرها؟ والشعور خاص بالذاتية الشخصية، ولا يمكن أن تدرك شعور غيرك لتقيس شعورك به. جل ما في الأمر أنك تقيس شعورك بهذا السرور بشعورك بسرور آخر سابق. ومع ذلك، فإن ذاتيتك تتغير كل حين بعد آخر، فما تشعر الآن به سرورا عظيما لا تشعر به في حين آخر كذلك، فالمسألة تتوقف على الذاكرة، وهي خزانة المدركات والمحسوسات لا خزانة الشعور؛ لأن هذه يحتمل أن تضل. إذن تبقى المسألة منحصرة في وزنك العقلي الأدبي للمسرات المنتظرة أيها أعظم، والوزن العقلي حكم على أدبية التصرف لا على مقدار السرور؛ فقد لا تجد سرورا أعظم أو أقل مما كنت تنتظر.
فالحكم لا يتناول الشعور، بل أدبية هذا الشعور؛ فأنت تبتغي السعادة العامة لا السرور بعينه. وهذه تستلزم أن السرور الذي تبتغيه يجب أن تراعي به سرور غيرك، فالسرور الذي يثلم سرور غيرك لا يعد عظيما؛ لأن السرور الذي لا يمس سرور غيرك أعظم منه، وأعظم من هذا السرور الذي يأتي معه سرور غيرك.
إذن السرور الأعظم هو السرور الذي يأتي معه سرور للعدد الأوفر من الآخرين؛ لهذا يعد سرور منشئ المدرسة أو المستشفى مثلا أعظم من سرور الذي يحسن على فقير، لأن سرور ذاك جاء بسرور لعديد من المحتاجين للعلم والشفاء. لا يعد كذلك في نظر منشئ المدرسة ولا في نظر المحسن على الفقير؛ لأن لكل منهما شعوره الخاص، فربما كان شعورهما متساويا، وإنما هو كذلك في نظر الرأي العام؛ ولهذا تتفوق سعادة الأول على سعادة الثاني، ولكن لا مقايسة بينهما.
وهنا لا بد لنا من العودة إلى نظرية السروريين لتبيان قيمة السرور واللذة. (3) نظريات السرور
أخذت «السرورية» شأنا عظيما في مباحث علماء أدب النفس حتى إنها تشعبت وتطورت تطورات مختلفة، فبعض السروريين يقولون: إن الإنسان يبتغي السرور من طبعه، والسرور بغيته القصوى في كل حال. وتسمى هذه: النظرية السرورية السيكولوجية؛ لأن تعليلها فلسفي عقلي، وهي: «نظرية القول بالأمر الواقع».
ويقول آخرون: يجب على الإنسان أن يطلب السرور لأنه هو الغاية القصوى. وهذه النظرية تسمى: السرورية الأدبية؛ لأنها تعلل من وجهة الواجب الأدبي، وهي نظرية القول بقيمة الفعل، أو نظرية القاعدة التي بموجبها يجب أن يفضل شكل من الفعل على الأشكال الأخرى.
وهناك آخرون يقولون: إن ما يبتغيه الإنسان أو ما يجب أن يبتغيه هو سروره، وتسمى هذه النظرية: السرورية الأنانية، وهي قديمة منذ عهد الأبيقوريين، ولكنها أهملت لمناقضتها لتعليم أدبية الشخصية الاجتماعية، كما أن السرورية السيكولوجية تكاد تهمل أيضا، وآخرون يقولون: إن ما يبتغيه الإنسان أو يجب أن يبتغيه هو سرور جميع الناس، أو جميع المخلوقات الحساسة، وتسمى: السرورية العامة أو النفعية
Utilitarianism . (3-1) السرورية الأدبية الأنانية
صفحة غير معروفة