223

علل النحو

محقق

محمود جاسم محمد الدرويش

الناشر

مكتبة الرشد

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩م

مكان النشر

الرياض / السعودية

(٢٨ - بَاب الْمصدر)
اعْلَم أَن الْمصدر إِنَّمَا ينصب لِأَنَّهُ مفعول، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: ضربت ضربا، فَقيل لَك: مَا فعلت؟ فَقلت: أحدثت ضربا، فقد بَان لَك أَن الْمصدر مفعول، فَلهَذَا انتصب.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَل الْمصدر أصل للْفِعْل، أَو الْفِعْل أصل للمصدر؟
قيل لَهُ: بل الْمصدر أصل للْفِعْل، وَالدَّلِيل على ذَلِك من وُجُوه:
أَحدهَا: أَن الْمصدر يدل على نَفسه فَقَط، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: ضربت، دلّ على الضَّرْب، وَهُوَ الْأَلَم الَّذِي يُوجد مِنْهُ، فَصَارَ (ضرب) يدل على جَوْهَر الضَّرْب، كَأَنَّهُ مصوغ من جَوْهَر مَا يدل إِذا أضفته إِلَى مَا صِيغ مِنْهُ دلّ أَنه مِنْهُ، وَإِن كَانَت صورته مُخَالفَة لصيغة آخر صِيغ من ذَلِك الْجَوْهَر وَآخر كَذَلِك، وَكلهَا تدل على ذَلِك الْجَوْهَر، فقد صَار الْجَوْهَر أصلا لَهَا، وَكَذَلِكَ كل فعل يدل على مصدره الَّذِي أَخذ مِنْهُ، لِأَن الْمصدر جوهره الَّذِي يُوجد فِيهِ ذَلِك الْفِعْل.
وَوجه آخر: وَذَلِكَ أَن الْفِعْل يدل على شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الزَّمَان والمصدر، والمصدر يدل على نَفسه فَقَط، فَصَارَ الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْمركب، إِذْ كَانَ يدل على الْمصدر وعَلى الزَّمَان فَلَمَّا صَار فِي تَقْدِير اثْنَيْنِ، وَأحد الِاثْنَيْنِ الْمصدر، وَالْوَاحد قبل الِاثْنَيْنِ، وَجب أَن يكون قبل الْفِعْل.

1 / 359