224

علل النحو

محقق

محمود جاسم محمد الدرويش

الناشر

مكتبة الرشد

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩م

مكان النشر

الرياض / السعودية

وَوجه ثَالِث: أَن الْمصدر يقوم بِنَفسِهِ، أَلا ترى أَنَّك تَقول: (٤٨ / أ) ضربك حسن، وَلَا تحْتَاج إِلَى ذكر الْفَاعِل، وَالْفِعْل لَا يجوز أَن تذكره خَالِيا من الِاسْم، فَوَجَبَ أَن يكون الْمصدر - لاستغنائه عَن الْفَاعِل - أصلا للْفِعْل، لافتقار الْفِعْل إِلَيْهِ.
وَوجه رَابِع: وَهُوَ أَن الْمصدر فِي اللُّغَة هُوَ الْموضع الَّذِي تصدر عَنهُ الْإِبِل وترده، فَلَمَّا اسْتحق هَذَا الِاسْم وَجب أَن يكون الْفِعْل صادرا عَنهُ، وَإِذا كَانَ صادرا وَجب أَن يكون فرعا.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا تنكرون أَن يكون الْمصدر لَا يُرَاد بِهِ الْموضع وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْمَفْعُول، أَي: المصدور بِهِ عَن الْفِعْل، كَمَا تَقول: (مركب فاره)، وكما يُقَال: (مشرب عذب)، أَي: مشروب عذب؟
قيل لَهُ: هَذَا يُفَسر من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن الْأَلْفَاظ إِذا أمكن تَأْوِيلهَا على ظَاهرهَا، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تعدل عَن الظَّاهِر إِلَّا بِدلَالَة، فَإِذا كَانَ ظَاهر الْمصدر يُوجب أَن يكون اسْما للموضع هَاهُنَا مَا يمْنَع من ذَلِك، وَجب أَن يحمل على ظَاهره، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيجب أَن يكون اسْما للموضع على مَا ذَكرْنَاهُ.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْلهم: (مركب فاره، ومشرب عذب) يجوز أَن يكون مَوضِع المركوب والمشروب، وَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الفراهة والعذوبة للمجاورة، كَمَا يُقَال: جرى النَّهر، وَإِنَّمَا يجْرِي المَاء فِي النَّهر.
فَإِن قَالَ قَائِل: قد رَأينَا الْمصدر يَصح بِصِحَّة الْفِعْل ويعتل باعتلاله، فَيجب أَن

1 / 360