186

علل النحو

محقق

محمود جاسم محمد الدرويش

الناشر

مكتبة الرشد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩م

مكان النشر

الرياض / السعودية

(٢٣ - بَاب وَهُوَ مَا كَانَ من الْأَفْعَال يتَعَدَّى بِحرف جر)
اعْلَم أَن الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب أَن يتَعَدَّى الْفِعْل بِحرف الْجَرّ، وَإِنَّمَا حذف حرف الْجَرّ اسْتِخْفَافًا، وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ، وَأكْثر مَا يحذف مِنْهُ حرف الْجَرّ إِذا كَانَ فِي الْفِعْل دَلِيل عَلَيْهِ، أَلا ترى أَن قَوْلك: اخْتَرْت الرِّجَال زيدا، أَن لفظ الِاخْتِيَار يَقْتَضِي تبعيضا، فَلهَذَا جَازَ حذف (من) لدلَالَة الْفِعْل عَلَيْهَا، وَمِنْه مَا يحذف اسْتِخْفَافًا لكثرته فِي كَلَامهم، كَقَوْلِهِم: نصحت زيدا، وسميتك زيدا، وكنيتك أَبَا عبد الله، لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء قد كثرت فِي كَلَامهم فاستخفوها، فحذفوا حرف الْجَرّ.
وَكلتك ووعدتك، حذفوا حرف الْجَرّ، إِذْ لَا يشكل مَعْنَاهُمَا. فَأَما الْبَاء فِي قَوْلك: لست بمنطلق، فَلَيْسَتْ مَا تَقْتَضِيه مِنْهَا (لَيْسَ) اقْتِضَاء الْأَفْعَال لحرف الْجَرّ، إِذْ كَانَت (لَيْسَ) تعْمل فِي الْخَبَر، كعمل (كَانَ) فِي خَبَرهَا، وَإِنَّمَا تدخل فِي خبر (لَيْسَ) على طَرِيق التوكيد للنَّفْي، لما ذَكرْنَاهُ فِي بَاب (مَا)، فاعرفه، وَقد تحْتَمل أَن تجْعَل من قَوْلك: من أحد، مفيدة، وَذَلِكَ أَن (أحدا) تسْتَعْمل بِمَعْنى الْعُمُوم، فَإِذا قلت: مَا جَاءَنِي أحد، جَازَ أَن يتَوَهَّم إِيجَاب، و(أحد) قد دخلت من جِهَة الْمَعْنى، وَصَارَ اللَّفْظ مُخْتَصًّا لنفي الْجِنْس

1 / 322