من تشارلز داروين إلى جيه بريستويتش
24
داون، 12 مارس [1860] ... في وقت ما في المستقبل، عندما تحظى ببعض من وقت الفراغ، وعندما تقرأ كتاب «أصل الأنواع»، سأعتبر تفضلك بإرسال أي انتقادات عامة إلي صنيعا «استثنائيا» منك. لا أقصد انتقادات طويلة جدا، بل ما يمكن أن تورده في خطاب. دائما ما كنت معجبا جدا بأوراقك البحثية المختلفة، وسيسرني للغاية معرفة رأيك، الذي قد يقدم لي مساعدة حقيقية.
أرجو ألا تفترض أنني أتوقع أن «أغير قناعاتك» أو «أضلك»؛ وإنما سأكون راضيا إذا استطعت زحزحة قناعاتك الراسخة قيد أنملة، وأرجوك أيضا ألا تخشى إزعاجي بالانتقادات الحادة؛ فقد تلقيت ضربات عنيفة من بعض أقرب أصدقائي. إذا لم يكن مزعجا أن ترسل إلي رأيك، فسأكون ممتنا لك حقا بكل تأكيد ...
من تشارلز داروين إلى آسا جراي
داون، 3 أبريل [1860] ... أتذكر جيدا حين كان التفكير في العين يصيبني بالتوتر الشديد، لكني تجاوزت هذه المرحلة من الشكوى، والآن صارت التفاصيل الصغيرة التافهة في البنية هي التي غالبا ما تشعرني بانزعاج شديد. فرؤية ريشة ما في ذيل طاووس تصيبني بالغثيان، كلما حدقت إليها! ...
لعلك تود الاطلاع على أخبار المقالات النقدية التي تناقش كتابي. نشر سيجويك مقالا نقديا عن الكتاب في مجلة «ذا سبيكتاتور» يتسم بالوحشية وعدم الإنصاف (وأنا ولايل نعرف يقينا بناء على أدلة داخلية أنه من تأليفه).
25
يتضمن المقال إساءة بالغة، وهو ليس منصفا من عدة جوانب. الحق أنه قد يدفع أي شخص جاهل بالجيولوجيا إلى أن يظنني قد ابتدعت الفجوات الهائلة بين التكوينات الجيولوجية المتعاقبة، لا أنها مذهب معترف به بالإجماع تقريبا. لكن صديقي القديم العزيز سيجويك، رغم قلبه النبيل، مسن ومتعصب مفعم بالغضب. من الصعب إرضاء الجميع، لعلك تتذكر أنني طلبت منك في خطابي الأخير أن تتغاضى عن مسألة تعرية منطقة وايلد، لقد أخبرت جوكس (مدير هيئة المسح الجيولوجي الأيرلندية)، وعاتبني في ذلك بشدة؛ لأنه صدق كل كلمة بشأن هذا الموضوع، ولم ير فيه أي مبالغة! الحق أن الجيولوجيين لا يمتلكون أي وسيلة لقياس لانهائية الزمن الماضي. ثمة مقال نقدي واحد رائع ، وهو مقال «معارض» (كتبه بيكتت، عالم الحفريات، في دورية «بيبليوتيك يونيفيرسيل أوف جينيفا») يتسم ب «منتهى» الإنصاف والعدالة، وأنا أتفق مع كل كلمة يقولها كاتبه؛ فالاختلاف الوحيد بيننا أنه يعزو قيمة أقل للحجج المؤيدة وقيمة أعلى للحجج المعارضة. من بين كل المقالات النقدية المعارضة، أظن أن هذا هو الوحيد المنصف إلى حد كبير، ولم أتوقع قط أن أرى أي مقال معارض منصف. أرجو أن تلاحظ أنني لا أعد مقالك معارضا بأي حال من الأحوال، وإن كنت أنت نفسك تظن ذلك! ذلك أنه قد أسدى إلي خدمة أعظم «بكثير» من أن أراه في هذا التصنيف على الإطلاق. يؤسفني أنني أرهقك بالإكثار من الحديث عن كتابي. أظن، إلى حد ما، أنني كان من المحتمل أن أصبح الرجل الأشد اعتدادا بنفسه في أوروبا كلها! يا له من تفوق يدعو إلى الفخر! حسنا، لقد أسهمت في ذلك بنفسك؛ ولذا يجب أن تسامحني إذا استطعت.
عزيزي جراي، سأظل صديقك الممتن لك دوما
صفحة غير معروفة