أعرف أن الخطابات تنهال عليك منذ نشر كتابك؛ لذا سأحجم عن الإسهام في ذلك. آمل أن تكون الآن قد أنهيت الطبعة الثانية على أكمل وجه، وسمعت أنك كنت تتعافى في لندن. لم أصل إلى نصف الكتاب بعد، لا من افتقار إلى الإرادة، بل الوقت؛ لأنه أصعب الكتب التي صادفتها في القراءة إن أراد المرء أن يحصل منها الفائدة الكاملة؛ فهو زاخر بالمادة العلمية والاستدلال. إنني سعيد للغاية بأنك نشرته في هذه الصورة؛ فلو أنك نشرت الأجزاء الثلاثة، دون التمهيد لها بتلك النبذة؛ لاختنق بها أي عالم تاريخ طبيعي من علماء القرن التاسع عشر، ولتحلل دماغي في محاولة استيعاب محتوياتها. لقد تعبت من الإعجاب بكم الحقائق المدهش الذي استخدمته، ومهارتك في تنظيم تلك الحقائق ورميها على الخصوم؛ الكتاب واضح جدا إلى الحد الذي بلغته في القراءة، لكن من الصعب جدا استيعابه بالكامل. ذلك أنه يبدو مختلفا بعض الشيء عن المخطوطة، وكثيرا ما أتخيل أنني غبي ولا بد لأنني لم أفهمه فهما كاملا في المخطوطة. أخبرني لايل بانتقاداته. لم أفهمها كلها، ويوجد العديد من الأمور البسيطة التي آمل أن أناقشها معك يوما ما. رأيت مقالة نقدية مفعمة بالإطراء في صحيفة «إنجلش تشيرشمان»، صحيح أنها قصيرة ولا تعرض مناقشة جدية للموضوع، لكنها تكيل المديح لك ولكتابك، وتتحدث عن مذهبك بتأييد! ... أتصور أن بينثام وهنزلو لا يزالان معترضين ...
صديقك المحب دائما
جوس دي هوكر
من تشارلز داروين إلى سي لايل
داون، السبت [12 ديسمبر 1859] ... خضت لقاءات حوارية طويلة جدا مع ... ربما ستود أن تسمع عنها ... أستنتج من عدة تعبيرات أنه يتفق معنا بشدة في الأساس ...
قال ما معناه أن تفسيري كان أفضل التفسيرات التي نشرت على الإطلاق بشأن كيفية تكون الأنواع. فقلت إن سماع ذلك يسعدني جدا. فأوقفني فجأة قائلا: «يجب ألا تفترض إطلاقا أنني أتفق معك في كل النقاط.» فقلت إنني أظن أن احتمالية أن أكون مصيبا في كل النقاط تقريبا ليست أكبر من احتمالية أن أرمي عملة معدنية في الهواء ويظهر لي الوجه ذو الصورة عشرين مرة متتالية. سألته بعد ذلك عن الجزء الأسوأ في رأيه. فقال إنه ليس لديه اعتراض معين على أي جزء. وأضاف: «إذا كان لا بد أن أنتقد، فينبغي أن أقول: «لا نريد أن نعرف ما يعتقده داروين وما هو مقتنع به، بل ما يستطيع إثباته».» فوافقت تماما وبكل صدق على أنني أخطأت بشدة في هذا الجانب، ودافعت عن حجتي العامة المتمثلة في ابتكار نظرية، وملاحظة عدد مجموعات الحقائق التي ستشرحها هذه النظرية. وأضفت أنني سأسعى إلى تعديل الكلمات التي تعبر عن «الاعتقاد» و«الاقتناع». فأوقفني فجأة قائلا: «إذن تفسد كتابك؛ إذ إن سر جاذبيته (!) أنه يعبر عن داروين ذاته.» وأضاف اعتراضا آخر مفاده أن الكتاب كان أكثر كمالا مما ينبغي؛ بمعنى أنه شرح كل شيء، وأنه كان من المستبعد جدا أن أنجح في هذا. أتفق تماما مع هذا الاعتراض الغريب، وهو يعني شيئا من الاثنين: إما أن كتابي سيئ جدا أو جيد جدا ...
لقد سمعت، بطريقة غير مباشرة، أن هيرشل يقول إن كتابي «هو قانون العشوائية الفوضوية.» لا أعرف معنى ذلك بالضبط، لكن من الواضح أنه يحمل احتقارا شديدا. إذا صح ذلك، فسيكون بمثابة ضربة موجعة وتثبيط بالغ.
من تشارلز داروين إلى جون لوبوك
14 ديسمبر [1859] ... لقد استفدت كثيرا في الفترة الأخيرة من إقامتي في إلكلي، لكني أظن أنني لن أستعيد تمام عافيتي أبدا؛ لأن العمل الذي أؤديه منذ عودتي قد أنهكني قليلا أكثر من مرة. إنني مشغول بالحصول على طبعة جديدة (فيها عدد قليل جدا من التصحيحات).
لقد حقق كتابي حتى الآن نجاحا أكبر «بكثير» مما كنت أحلم به؛ موراي يطبع الآن 3000 نسخة. هل أنهيت قراءته؟ إذا كنت أنهيت القراءة، فأرجو أن تخبرني بما إذا كنت تتفق معي بشأن القضية «العامة»، أم تعارضني. إذا كنت تعارضني، فأنا أعرف جيدا أنك ستكون خصما شريفا منصفا نزيها جدا، وهذا أكثر بكثير مما أستطيع قوله عن كل خصومي ...
صفحة غير معروفة