189

تشارلز داروين: حياته

تصانيف

أفترض أنك لن تتسلم نسختك قبل منتصف الشهر المقبل. سأكون متلهفا بشدة لسماع رأيك في فرضية شمولية التكوين، وإن كنت أستطيع رؤية مدى قصورها الفظيع، حتى في الاستنتاجات التي لا تتجاوز كونها تخمينية، فمع ذلك، انتابني رضا بالغ لأنني ربطت، بطريقة ما، بين المجموعات الكبيرة المتنوعة من الحقائق، التي كنت أفكر فيها منذ فترة طويلة، بخيط واضح مفهوم. لن أتفاجأ إطلاقا إذا هاجمتني وهاجمتها بضراوة لا مثيل لها. سأسعى إلى بذل أقل قدر ممكن من الجهد لفترة ما، لكني سأعد ورقة بحثية أو اثنتين للجمعية اللينية عما قريب. سنذهب قريبا إلى لندن عشرة أيام، لكن الوقت لم يحدد بعد. الآن قد أخبرتك بالكثير عني، فاسمح لي بأن أسمع الكثير عما فعلته سابقا وما ستفعله في المستقبل. هل تستطيع زيارتنا، في أوائل شهر ديسمبر؟ ... فأنا لم ألتق أحدا منذ زمن طويل، ولم أسمع أي أخبار. ... سأسدي إليك نصيحة بشأن كتابي. فلتتخط المجلد الأول «كله»، باستثناء الفصل الأخير (وهذا لا يحتاج إلا إلى تصفح سريع)، ولتتخط جزءا كبيرا في المجلد الثاني؛ وحينئذ ستقول إنه كتاب جيد جدا.

1868 [نشر كتاب «تباين الحيوانات والنباتات تحت تأثير التدجين»، كما ذكرنا سلفا، في 30 يناير 1868، وفي ذاك اليوم، أرسل نسخة إلى فريتز مولر، وكتب إليه خطابا قال فيه: «أرسل إليك ضمن هذه الدفعة البريدية، بقارب بريدي فرنسي، كتابي الجديد الذي تأخر نشره كثيرا. كما سترى، ليس الغرض من الجزء الأكبر أن يقرأ، لكني أرغب بشدة في معرفة رأيك في فرضية «شمولية التكوين»، وإن كنت أخشى أن تبدو «للجميع» تخمينية بدرجة مبالغ فيها.»]

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر

3 فبراير [1868] ... إنني في غاية السعادة بما تقوله عن مقدمة كتابي؛ إذ كنت قاب قوسين أو أدنى من إلغائها كلها بعدما صارت جاهزة للطباعة بالفعل. أشعر منذ فترة بيأس من كتابي، وإذا حاولت قراءة بضع صفحات، أشعر بغثيان شديد، ولكن لا تدع هذا يدفعك إلى الثناء عليه؛ لأنني قررت أنه لا يساوي خمس الجهد المضني الهائل الذي كبدني إياه. أؤكد لك أن كل ما يستحق أن تفعله (إن كان لديك وقت كاف لهذا القدر ) هو إلقاء نظرة سريعة على الفصل السادس، وقراءة أجزاء من الفصول اللاحقة. أرى أن الحقائق المتعلقة بالنباتات العاجزة عن التلقيح الذاتي شائقة، وقد استنبطت استنتاجا مرضيا مفاده أن النتائج الجيدة تأتي من التهجين بين أنواع بعضها بعيد الصلة عن بعض، وأن النتائج السيئة تأتي من التهجين بين أنواع بعضها قريب الصلة من بعض. قرأت فرضية شمولية التكوين قبل بضعة أيام، لكن حتى هذه، موضوعي المحبب كما كنت أحسبها، أثارت اشمئزازي بشدة. اللعنة على الكتاب كله، ومع ذلك، فأنا الآن أعمل مجددا بجد قدر ما أستطيع. إنها حقا لمصيبة جسيمة أنني، بحكم العادة، لم أعد أستمتع بأي شيء تقريبا ما عدا التاريخ الطبيعي؛ فلا شيء آخر يجعلني أنسى أحاسيسي المزعجة التي تراودني كثيرا. ولكن علي أن أتوقف عن الشكوى الآن، وليقل النقاد ما يشاءون؛ فأنا قد بذلت كل ما في وسعي، ولا يوجد إنسان يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك. كم كانت ممارسة تخصص التاريخ الطبيعي ستصبح رائعة لو أنها كانت مقتصرة على الرصد والملاحظة دون الكتابة! ...

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر

داون، 10 فبراير [1868]

عزيزي هوكر

ما جدوى أن يكون للمرء صديق إن لم يستطع التباهي أمامه؟ سمعت يوم أمس أن موراي باع كل نسخ طبعة كتابي البالغة 1500 نسخة، وأن طلبات الشراء ملحة جدا إلى حد أنه اتفق مع دار نشر كلوز على إصدار طبعة أخرى في غضون أربعة عشر يوما! لقد عاد هذا علي بنفع كبير؛ لأنني كنت قد بدأت أشعر بنوع من الكراهية الشديدة تجاه كتابي. والآن قد نشر عنه في صحيفة «بول مول جازيت» مقال نقدي غمرني بسعادة هائلة، وربما حتى يكون مبالغا فيها. إنني قانع تماما، ولا أكترث بمقدار الانتقادات اللاذعة التي قد أتعرض لها. إذا قادتك أي مصادفة إلى معرفة هوية كاتب المقال النقدي في صحيفة «بول مول جازيت»، فلتخبرني بها من فضلك؛ فهو يجيد الكتابة على نحو ممتاز ويعرف الموضوع. لقد ذهبت في يوم الأحد إلى مأدبة غداء في بيت لوبوك، وكان أحد أسباب ذهابي هو أملي في أن ألقاك، لكنك، أيها الملعون، لم تكن هناك.

صديقك المغتبط بإنجازه

سي داروين [بعيدا عن طابع الاستحسان العام الذي اكتست به سلسلة المقالات القصيرة النقدية البارعة في صحيفة «بول مول جازيت» (أيام 10، و15 و17 فبراير، عام 1868)، ربما ابتهج والدي بالفقرات التالية: «علينا أن نلفت الانتباه إلى الهدوء النادر النبيل الذي يشرح به آراءه، دونما اضطراب من حدة الاهتياج العدائي الذي تثيره هذه الآراء، مع التمسك على الدوام برفض الرد على خصومه بسخرية أو غضب أو ازدراء. وبالنظر إلى كم التوبيخ اللاذع والذم الضمني الذي يصدر عن الطرف الآخر، فهذا الصبر جدير بالتبجيل الشديد.»

صفحة غير معروفة