قال: من قال هذا؟! إنه من صميم عمل هيئة الاستعلامات فعندنا إعلام داخلي للمصريين وإعلام خارجي نتولى به دعوة كبار الكتاب والصحفيين، وهناك ميزانية وبرامج لهذا كله، وأن يأتي كاتب كدورنمات لمصر حدث عالمي لا يمكن أن نتركه يمر، فإني متأكد أنه إما أن يكتب كتابا أو سلسلة مقالات أو حتى مسرحية عن مصر؛ فمصر بالنسبة للعقلية الإبداعية الأوروبية تشكل مهبط وحي لا يمكن أن تمر عليه قريحة خلاقة دون أن يؤثر فيها بطريقة ما، وبعد أسبوع واحد كان الدكتور ممدوح البلتاجي قد نظم برنامجا متقنا للرحلة والإقامة، وأرسل باسم الهيئة دعوة لدورنمات وزوجته، وكان القائم بالأعمال السويسري عندي في مكتبي يناقش معي تفاصيل الندوات التي سيعقدها دورنمات في القاهرة واحدة في الجامعة، والأخرى في لقاء مع العائلة الثقافية في الأهرام، والثالثة ندوة مفتوحة في فندق شيراتون الجزيرة حيث يقيم، والرابعة في معهد جوته الألماني، كان هذا الكلام في يوليو من هذا العام وكنت قد وعدت دورنمات أن نقدم له عملا من أعماله التي ترجمت وقدمت على مسارح القاهرة «أربعة أعمال»، وهكذا اتصلت بالمسئولين في هيئة المسرح لتحضير عمل يعرض أمامه باللغة العربية، واخترت المخرج الفنان سمير العصفوري ليقدم هذا العمل باعتباره أول من أخرج مسرحية لدورنمات في مصر، واختار سمير أن يقدم مسرحية «الشهاب» لقصرها من ناحية ولمحدودية ممثليها من ناحية أخرى.
وفي نفس الوقت فاتحت الأستاذ إبراهيم نافع في حفل غداء نقيمه على شرف الرجل في الأهرام عندنا، وقد أسعدني حقا أن قال لي: إن ل إمكانيات الأهرام تحت تصرفك.
هكذا ترتب كل شيء.
وبدأت الشهور تتوالى، أغسطس ثم سبتمبر ثم أكتوبر، وكان وزير الثقافة قد تغير وجاء الصديق الكبير الدكتور أحمد هيكل وزيرا جديدا ومتحمسا.
وذهبت للقائه وأعدت عليه قصة دورنمات والمسرحية التي يجب أن تقدم فذكر لي أن الدكتور سمير سرحان اتفق مع سمير العصفوري على كل شيء، وأن بروفات المسرحية قائمة على قدم وساق.
وبعد أسبوع اتصل بي الأستاذ سمير العصفوري وقال لي إنه رأى أن عرض «الشهاب» غير ممكن وأنه اختار مخرجا من تلاميذه ليقدم عرضا يستغرق ساعة يستعرض فيه مقطعا عرضيا لكل أعمال دورنمات.
الحقيقة دهشت، فدورنمات كتب ما لا يقل عن الثلاثين عملا، وكيف ستضع هذا المقطع العرضي لكل تلك الأعمال، ولكن لثقتي في قدرة سمير العصفوري قلت: أنت المسئول، وأنت وما تراه.
وقبل وصول دورنمات بأسبوع لعب الفأر في عبي، فاتصلت بالدكتور سمير سرحان أطمئن على العرض، فإذا به يذكر أن سمير العصفوري قد ذهب ليحضر مهرجان قرطاج في تونس، وأن العرض لن يقدم.
وأحسست بجانب كبير من كارثتنا المسرحية يتبدى على أبشع صورة، كارثة كانت قد بلغت دورنمات نفسه وهو لا يزال في سويسرا، فقد كانت أول كلماته لي حين قابلته في المطار أن قال إنه حزين؛ لأن العرض المسرحي ألغي؛ فقد كنت فعلا أريد أن أتفرج على دورنمات بالعربية.
وغرقت في خجل لما آلت إليه أمورنا المسرحية والثقافية، وغرقت في خجل أكثر حين عرفت أن أحدا لم يحاسب على ما حدث، ولا وجه لوما لأحد، ومرت المسائل وكأنها لعب عيال، نأتي بكاتب عالمي من النادر أن يغادر بلده أو يحضر عروضه في البلاد الأخرى ونعده بتقديم عمل مسرحي له، ثم إذا بنا في آخر لحظة وبكل استهتار هكذا نقول له: «معلهش! تتعوض، المرة الجاية إن شاء الله!»
صفحة غير معروفة