ولقد كان معاوية كيسا فذا في استعمال المال واكتساب رضا الجمهور، وكذلك كان كل من ائتم بهديه وسنته في البذل والعطاء، وفي التوسعة على من آزرهم وعمل على نصرتهم، ومد ظلهم وتثبيت عرشهم؛ فقد زاد معاوية في العطاء لمن شهد مواقعه، كما فرض الأعطية للشعراء، غاضا طرفه عما في ذلك من إغضاب المحافظين من رجال الدين؛ إذ كان همه أن يمتلك الأبواق المداحة، ويسترضيها بهباته ونواله، لتنشر في الآفاق ذكره، وترفع إلى السماكين فضله، حتى قصده الشعراء وانتجعوه، وناصروه وظاهروه، وحتى علم الخاص والعام أنه إن مدحه أثراه، وإن استرفده أغناه، وإن ناصره راشه وأعلى مكانه، فأضحى نجعة الرواد ومقصدهم، وموئل القصاد ومنهلهم، وكانت الزوجة تستحث عزمات زوجها أن يهرع إليه ليصيب من نوافله، وليعود إليها بنوائله، كما كانت ترغب بعلها أن يبيع إبله وأن يفترض في العطاء بشعره.
وقد حكى لنا أبو الفرج الأصفهاني شيئا من ذلك في أخبار جبيهاء
1
الأشجعي في خبر طويل انتهى بأن قال جبيهاء الأشجعي قصيدته التي فيها:
قالت أنيسة: دع بلادك والتمس
دارا بطيبة ربة الآطام
تكتب عيالك في العطاء وتفترض
وكذاك يفعل حازم الأقوام
وهنالك مسألة مهمة من سياستهم في اصطناع الأحزاب، وإلجام الأفواه بالمال، وفرض العطاء للشعراء الذي ظل معمولا به إلا في أيام عمر بن عبد العزيز، ذلك أنهم كانوا يتملكون رقاب المسلمين بإقراض من شاءوا من مال الصدقة، ويكتبون صكا عليهم، ونحن نعلم أن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار.
ويذكر لنا الأغاني في باب أخبار جعفر بن الزبير ما فرضه له سليمان بن عبد الملك إذ أمر له بألف دينار في دينه، وألف دينار معونة على عياله، وبرقيق من البيض والسودان، وبكثير من طعام الجاري، وأن يدان من الصدقة بألفي دينار .
صفحة غير معروفة