148

عصر المأمون

تصانيف

1

ثم وثب علينا بنو أمية فأماتوا شرفنا وأذلوا عزنا، والله ما كانت لهم عندنا ترة يطلبونها، وما كان ذلك كله إلا فيهم، وبسبب خروجهم عليهم، فنفونا من البلاد، فصرنا مرة بالطائف، ومرة بالشام، ومرة بالشراة حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا، فأحيا شرفنا وعزنا بكم أهل خراسان، ودمغ بحقكم أهل الباطل، وأظهر حقنا، وأصار إلينا ميراثنا عن نبينا

صلى الله عليه وسلم ، فقر الحق مقره، وأظهر مناره، وأعز أنصاره، وقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين، فلما استقرت الأمور فينا على قرارها من فضل الله فيها، وحكمه العادل لنا؛ وثبوا علينا ظلما وحسدا منهم لنا، وبغيا لما فضلنا الله به عليهم وأكرمنا به من خلافته وميراث نبيه

صلى الله عليه وسلم .

جهلا علي وجبنا عن عدوهم

لبئست الخلتان الجهل والجبن

فإني، والله يا أهل خراسان، ما أتيت من هذا الأمر ما أتيت بجهالة؛ بلغني عنهم بعض السقم والتعرم، وقد دسست لهم رجلا فقلت: قم يا فلان، قم يا فلان، فخذ معك من المال كذا، وحذوت لهم مثالا يعملون عليه ، فخرجوا حتى أتوهم بالمدينة فدسوا إليهم تلك الأموال، فوالله ما بقي منهم شيخ ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا بايعهم بيعة استحللت بها دماءهم وأموالهم، وحلت لي عند ذلك بنقضهم بيعتي، وطلبهم الفتنة، والتماسهم الخروج علي، فلا يرون أني أتيت ذلك على غير يقين. ثم نزل وهو يتلو على درج المنبر هذه الآية:

وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب .

ولقد يلاحظ على الخطابة العباسية اتسامها بطابع النعرة الدينية لمباهاتهم بصلتهم من النبي، كما يلاحظ عليها اللغة «الأتوقراطية» التي لا تختلف في شيء عن لغة باباوات رومة في العصور الوسطى، ولغة الملوك الذين يدينون بنظرية «حقوق الملك المقدسة»، وأنهم ورثة الله في أرضه وممثلوه بين خلقه.

خطبة للمنصور الخليفة العباسي

صفحة غير معروفة