36
ومما يؤيد جزيل اعتبار الخلفاء لأطبائهم أن العزيز خليفة مصر كتب بخط يده رسالة إلى طبيبه منصور بن مقشر النصراني يهنئه فيها بنقاهته من مرضه، هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم. طبيبنا سلمه الله سلام الله الطيب وأتم النعمة عليه. وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب وبرئه. والله العظيم لقد عدل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا. أقالك الله العثرة وأعادك إلى أفضل ما عودك من صحة الجسم، وطيبة النفس، وخفض العيش بحوله وقوته.
37
هكذا ارتفع شأن الأطباء وعظم قدرهم حتى أصبحت لهم المنزلة العليا في جميع أنحاء الدولة. وقد خلفوا في صناعتهم هذه الشريفة آثارا مجيدة تشهد لهم بالبراعة وفرط الذكاء.
ولا ريب في أن تلك المزايا السامية حملت فريقا من المؤرخين على أن يعنوا بتأليف كتب وافرة دونوا فيها تراجم أولئك الأطباء، ووصفوا مناقبهم، وعددوا مؤلفاتهم ونوادرهم، وعلى سبيل المثال نذكر من تلك المؤلفات ما يلي: كتاب «أخبار الأطباء والمنجمين» ليوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن داية في أيام المأمون. وكتاب «تاريخ الأطباء»
38
لإسحق بن حنين (المتوفى 910م)، وكتاب «أخبار الأطباء» تأليف فثيون الترجمان النسطوري في القرن الثالث للهجرة، وقد ذكره ابن أبي أصيبعة أكثر من ثلاثين مرة في تاريخه، وكتاب «مناقب الأطباء» تأليف عبيد الله بن جبرائيل (المتوفى 1058م) ابن بختيشوع، وكتاب «دعوة الأطباء» للمختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المعروف بأيونيس بن بطلان.
وقد تفرغ الوزير جمال الدين القفطي (568-646ه) لسرد أخبار الأطباء في كتابه «إعلام العلماء بأخبار الحكماء»، ثم توسع في ذكر أخبار الأطباء وتعداد مؤلفاتهم موفق الدين بن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 للهجرة في كتابه المشهور «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» فسرد أخبارهم واحدا فواحدا، وعدد تآليفهم الوافرة تأليفا فتأليفا بعبارة جزلة دقيقة استحق لأجلها أجمل الثناء.
ولسنا نرى أن نغمض عن ذكر أبي الفرج بن العبري الذي شحن كتابه «تاريخ مختصر الدول» بذكر مشاهير الأطباء وطرائفهم منذ صدر الخلافة العباسية حتى أواخر القرن الثالث عشر للميلاد.
صفحة غير معروفة