وجاء عبد الشكور إلى مكان الأستاذ. وإذا به يواصل خطابه الذي أوقفه عنه الأستاذ، ويعلن زعامته مرة أخرى في صفاقة أشد من المرة السابقة. وفي هذه المرة لم ينفجر الفصل وحده، وإنما انفجر معه الأستاذ الحليم الذي لم نره ثائرا في حياتنا إلا في ذلك اليوم، وصاح به: يا عبد الشكور أنت غير معقول. امش ادخل مكانك، امش.
وأصبح ما حدث في الفصل حديث المدرسة كلها. ووجدنا أنفسنا نحن تلاميذ الفصل موضع الأسئلة المتزاحمة علينا من زملائنا في الفصول الأخرى.
وفي اليوم التالي فوجئنا بعبد الشكور يوجه الدعوة إلى الشاي في منزله لبعض تلاميذ الفصل، وعجبنا لأمره.
ولكننا قبلنا الدعوة لنصل إلى كل ما نستطيع أن نبلغه من حقيقة الزعيم.
البيت لموظف رقيق الحال في أربعينيات القرن. واضح أن اعتماده الوحيد على مرتبه دون أي عون آخر. والبيت نظيف، والمواد المقدمة في الشاي هزيلة، ولكن الجهد الذي وراءها واضح المعالم. وبدأ أبو الزعيم الحديث فعرفنا عجبا.
لقد كان عبد الشكور من الوقاحة وكان أبوه من السذاجة بحيث استطاع عبد الشكور أن يقنع أباه أنه زعيم المستقبل، وأننا نحن أعوانه ورجال حزبه وعناصر التأييد لزعامته؛ ولهذا لم يكن عجيبا أن نجد الأب سعيدا بابنه سعادة غامرة لا عقل فيها ولا تفكير ولا تدبر.
ومع أننا كنا في تلك السن القاسية التي لا تعبأ كثيرا بشعور الآخرين، إلا أننا - وكنا ستة طلاب - أجمعنا دون اتفاق على ألا نجرح مشاعر الأب الساذج في ابنه، الذي يثق وثوقا كاملا أنه زعيم فترته.
وانصرفنا.
وفي اليوم التالي كنت قد نظمت أبياتا في عبد الشكور تفرج عن غيظي الذي كتمته في مجلس أبيه. والعجيب أنني أذكر هذه الأبيات، وهي أول ما نظمت في حياتي:
على رغم المظاهر والغرور
صفحة غير معروفة