============================================================
وهذا الكلام منه جريا على الأغلب كما ذكرنا أن الجذبة نادرة جذا، وإلا فيجوز أن يجذب الله تعالى شخصا ويرفع عنه هواه فلا يكون للشيطان عليه سبيل، لكنه نادر الوقوع، والنادر في حكم العدم، ومع ذلك فقد مثل الدقاق(1) قدس سره بالشجرة النامية بنفسها من غير غارس من حيث إنه استقل بعقله في دفع هواه لتحصل له التصفية المثمرة للتجليات الغيبية.
ضرورة صحبة المشايخ: وقلما تحصل هذه الثمرة من غير شيخ، كما أن تلك الشجرة لا تثمر غالبا ، ويجوز أن يحصل له التجلي العيني، كما لا يجوز أن تثمر الشجرة، إلا أنه ليس لفاكهتها طعم فاكهة البساتين، فكذا لا يكون لتجليه ذاك الكمال، اذ قلما يستقل بمعالجة دقائق أمر من أمور الهوى الخفية بنفسه من غير تعليم طريق الأدوية.
وذلك لأن تصرف العارف بأي شيء كانت معرفته أثرا فيها يتصرف فيه، ولهذا يكمل طعم الثمرة وعدد كثرتها إذا ثقل الغرس من موضع إلى موضع آخر، والشيخ بالمريد ينقله من مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى الأحوال الشريفة.
وقد اعتبر الشرع الشريف وجوب التعليم في الكلب المعلم وأحل ما يقتله لأن قتله لما كان من التعليم كان بلا متابعة هواه بل لأمر من هو تحت أمره، فكذلك لا يأكل منه بخلاف ما قتله غير المعلم، فإنه لما كان بهواه أثر فيه الهوى بالتحريم، كما أثر ترك الهوى في الأول بالتحليل.
(1) الحسن بن علي بن محمد أبو علي الأستاذ الدقاق الزاهد النيسابوري شيخ الصوفية وشيخ أبي القاسم القشيري، توفي سنة 06}ه وقيل: 412ه الصفدي: الوافي بالوفيات 165:12.
صفحة ٦٨